لم تمر المواقف الأخيرة التي أطلقها الأمين العام ل​حزب الله​ السيد نصرالله حول الخلاف المستجد مع ​اسرائيل​ بخصوص الحدود البرية والبحرية والبلوك 9 مرور الكرام سواء في الداخل ال​لبنان​ي او في اسرائيل. اذ يتم حاليا البحث في أبعاد الخطاب الجديد الذي اعتمده نصرالله والذي وضع فيه ولأول مرة بهذه الصراحة وهذا الوضوح "أوراق قوّته" في عهدة الدولة اللبنانية، وهو ما استدعى ما يشبه "الصمت المطبق" من قبل أخصامه، لا بل رضى وتأييد غير معلن بعد.

ولم تتأخر الخارجية اللبنانية كما المسؤولون الذين يتولون عملية التفاوض مع الوسيط الأميركي مساعد وزير الخارجية دايفيد ساترفيلد بتلقّف مواقف حزب الله سريعا لاستثمارها في حلقات التفاوض. فبعد أن وضعوها على الطاولة في الدورة الأولى من المفاوضات، عادوا ليشرحوا مضمونها وأبعادها باسهاب في الدورة الثانية التي كانت قد انطلقت قبل يومين بعد عودة ساترفيلد من تل أبيب بتعديلات طفيفة على تقسيم الحدود البحريّة المتنازع عليها. وبحسب مصادر مطلعة فان "ما وضعه نصرالله بين أيدي المفاوضين اللبنانيين لا يقتصر على تحديد مكامن قوّة الردع، من خلال التصويب مباشرة على القدرة لاستهداف المنصّات التي تستخرج الغاز و​النفط​ من الجهة الاسرائيلية، بل انّه يتركز وبشكل أساسي على وضعه وللمرة الأولى وبشكل علني وصريح هذه القدرات، كما والأهم القرار بشأن اي تحرك ردعي بين يدي الدولة و​المجلس الأعلى للدفاع​".

ولا تتردد مصادر في ​قوى 8 آذار​ مقربة من الحزب عن الحديث عن "نقلة نوعية" بخطاب السيد نصرالله بملف "سلاح المقاومة"، لافتة الى ان "الوصول الى هذه المرحلة تم بالتدرج، فبعد ان كان هناك انقسام عمودي بين فكرة المقاومة والدولة، تطورت الأمور الى المساكنة والاستيعاب وصولا الى البيانات الوزارية التي اعترفت بها صراحة". وتضيف المصادر: "أما اليوم فقد وصلنا الى مرحلة يضع فيها حزب الله المقاومة وسلاحها بتصرف الدولة، وهو ما كان ليحصل بتاتا لولا وجود رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ في سدّة ​رئاسة الجمهورية​، وما يمثله وجوده من ضمانة للحزب".

وهنا، تشدّد المصادر على وجوب التمييز بين وظيفتي سلاح حزب الله، "الردعيّة والدفاعيّة"، موضحة ان "ما وضعه السيد نصرالله بعهدة الدولة هو الوظيفة الردعيّة، اما تلك الدفاعية فتبقى بمثابة حق مشروع للمقاومة في أي لحظة ومن دون الرجوع الى احد".

ويتابع المسؤولون اللبنانيون كما حزب الله عن كثب، ما تسمّيه المصادر بـ"حفلة التهويل الكبيرة التي تبدأ من ​سوريا​ وتمتد الى لبنان، للضغط على الدولة اللبنانية وحثّها على الرضوخ للشروط الاسرائيلية–الاميركية والتي شهدت نوعا من التراجع في الجولة الثانية لساترفيلد. فبعد ان كان يطالب لاسرائيل بثلث المنطقة المتنازع عليها، بات يطالب بالربع، علما انّه أُبلغ صراحة وبموقف لبناني موحد ان كل هذه العروض غير مقبولة وان لبنان متمسك بحقوقه كاملة". وتضيف المصادر: "يكثر الحديث في الآونة الاخيرة عن ان الحرب في سوريا دخلت أسوأ مراحلها، كما باتت ​الولايات المتحدة الأميركية​ تسوّق علنا للتقسيم، حتى ان اسرائيل دخلت على الخط للحديث عن أن الحرب على لبنان باتت أقرب من أي وقت مضى، لكن الجهّات الرسمية في لبنان كما حزب الله يتعاطون مع كل هذه الثرثرة بوصفها ضغوطا لاخضاع لبنان، وهو ما لم يحصل مهما علت الأصوات وزادت حدة الصراخ".

بالمحصّلة، قد يكون من المفيد الوقوف عند الخطاب المستجد لحزب الله والبناء عليه في عملية اقرار الاستراتيجية الدفاعية المعلّقة منذ سنوات، باعتبار انّه واذا لم يتمّ تفعيل هذه العملية في عهد الرئيس عون والذي يتعاطى معه الحزب كـ"ضمانة" في بعبدا، فالأرجح انّه لن يعاد تفعليها في يوم من الأيام.