تظر أن تنشط الحملات الانتخابية بنحو ملحوظ بعد عودة رئيس الحكومة سعد الحريري من المملكة العربية السعودية، فما بعد هذه الزيارة انتخابياً وسياسياً سيكون حتماً غير ما كان قبلها بكل المواقف والمعاني والمعايير، بحيث لن ينقضي الشهر الجاري إلّا وتكون اللوائح الإنتخابية وخرائط التحالفات قد تبلورت، وخيارات القوى السياسية التي ستخوض السباق الإنتخابي قد حُسِمَت.

أبرز نتائج زيارة المستشار في الديوان الملكي السعودي ​نزار العلولا​ للبنان، على ما يؤكد سياسيون تابعوا وقائعها، انها قطعت الشك باليقين في انّ الانتخابات ستجري في موعدها، وبَدّدت المخاوف من تعطيلها او عدم إنجازها في موعدها المقرر 6 ايار المقبل، وإن كان البعض ما يزال يُبدي مخاوف من احتمال إقدام اسرائيل على شَنّ حرب على جبهة لبنان الجنوبية، يمكن ان تفرض تأجيل هذا الاستحقاق، ولكن قوى سياسية بارزة تستبعد مثل هذه الحرب لاقتناعها بأنّ اسرائيل غير قادرة على شَنّها في هذه المرحلة لاعتبارات واسباب كثيرة.

فما بعد زيارة العلولا للبنان لن يكون كما قبلها على مستوى العلاقات اللبنانية ـ السعودية ومستقبلها، وكذلك على مستوى الاستحقاقات اللبنانية، فقبل هذه الزيارة كانت هناك مخاوف جدية من عدم حصول الانتخابات لأنّ بعض القوى السياسية كانت تُبدي عدم ارتياح الى القانون الذي ستُجرى على اساسه لأنه يعتمد النظام الانتخابي النسبي للمرة الاولى في تاريخ الجمهورية اللبنانية، وقد ضربت هذه القوى «الأخماس بالاسداس»، وخرجت باقتناع بأنّ حَراجَتها وقلقها لا ينههما الّا تأجيل الانتخابات تمهيداً للبحث في قانون جديد او لعلّ الظروف السياسية الداخلية والاقليمة تتغيّر لمصلحتها بما يمكنها تحقيق كسب شعبي مرموق او الدفع في اتجاه العودة الى «قانون الستين» تحت عنوان «ما أحلى الرجوع اليه»، خصوصاً انّ البوانتاجات التي أجرتها هذه القوى أظهرت لها انها لن تتمكن من الفوز بما تطمح اليه من مقاعد نيابية والى درجة انها لن تتمكن حتى من الحفاظ على ما هي عليه في مجلس النواب الحالي.

غير انّ زيارة العلولا الاخيرة لبيروت، والتي ستيلها زيارات في وقت لاحق من الشهر الجاري، دَلّت الى انّ محاولات هؤلاء الافرقاء لتأجيل الاستحقاق النيابي او تعديل قانون الانتخاب قد وصلت الى طريق مسدود، وانّ ما عليهم سوى الانطلاق الى خوض الانتخابات ايّاً كانت النتائج التي سيحصّلونها منها، فالوقت الفاصل عن موعد الانتخابات في 6 ايار المقبل لم يعد يكفي لإجراء اي تعديل للقانون الانتخابي، هذا في حال الإتفاق عليه الآن، أللهم الّا إذا حصلت «تطورات قاهرة» ليست في الحسبان وفرضَت بقوة تأجيل هذا الاستحقاق الدستوري.

ولكنّ مُطّلعين يؤكدون أنّ سُبحة الترشيحات ولوائح الترشيح لدى مختلف القوى السياسية ستكرّ في ضوء زيارة العلولا للبنان، وبالتالي زيارة الحريري للرياض وعودة علاقته مع القيادة السعودية الى طبيعتها، وكذلك العلاقات اللبنانية ـ السعودية، وخصوصاً القوى التي كان لقياداتها لقاءات مع العلولا، على ان تتبلور التحالفات الانتخابية بينها، اذا كانت هناك توجهات تحالفية لديها، بعد تبلور نتائج زيارة الحريري للرياض، إذ في ضوء هذه النتائج سيبدأ الرجل تأليف لوائح مرشحي تيار «المستقبل» وسيحدّد القوى التي يمكن ان يتحالف معها انتخابياً الآن، وربما سياسياً لاحقاً.

وغالب الظن انه لن تكون هناك تحالفات لافتة بين «المستقبل» وبقية الافرقاء، ولا سيما منهم من ينتمون الى فريق 8 آذار، ما يعني انّ الانتخابات المقبلة التي يرجّح ان لا ينال منها أي فريق الاكثرية النيابية المرموقة او الموصوفة، ستنتهي الى احتفاظ كل فريق بما هو عليه الآن في مجلس النواب الحالي، مع فوز بمقعد إضافي هنا، او خسارة مقعد هناك.

وفي هذا السياق تقول مصادر «القوات اللبنانية» انّ المفاوضات الانتخابية بينها وبين «المستقبل» كانت جارية على قدم وساق قبل زيارة العلولا، آخذة في الاعتبار ان لا «هدايا مجانية» في القانون الانتخابي الجديد، وانّ على كل طرف أن يسعى لانتزاع تمثيله النيابي على اساس تمثيله الشعبي، الأمر الذي يفسِّر عدم التحالف في دوائر والتحالف في أُخرى.

وتكشف هذه المصادر انّ النقاش بين الطرفين أشبع كل الدوائر الانتخابية درساً، لِما فيه مصلحة كل منهما، وتبيّن انّ هناك دوائر لـ»القوات» و»المستقبل» مصلحة مشتركة للتحالف فيها، ولكن هذه المصلحة المشتركة اصطدمت في بعض الدوائر بتمسّك كل منهما بتحالفات أُخرى أو أسماء محددة.

فتقرّر في ضوء ذلك استبعاد الدوائر التي يصعب التحالف فيها من النقاش والركيز على تلك التي يمكن التحالف فيها، ومثال على ذلك دائرة بعلبك ـ الهرمل، التي يمكن القول انّ التحالف الانتخابي قد حصل فيها مبدئيّاً على قاعدة تحالف وثيق بين «القوات» و«المستقبل» و«القوى الشيعية المستقلة» لتحويلها معركة سيادية بامتياز، وقد تمّ اتفاق متكامل على الاسماء وأمور أُخرى قد تبقى طي الكتمان الى حينه. فيما التواصل لم ينقطع في شأن دوائر أُخرى من مثل عكار وزحلة وجزين.

وما تجدر الاشارة اليه انّ في هذه الدوائر التي لـ»المستقبل» تأثير فيها الى جانب «التيار الوطني الحر»، هناك حرص لدى «المستقبل» على تحالف ثلاثي فيها، ولكن هذا الحرص يصطدم بصعوبات عملية قد تحول دون تحالف «المستقبل» مع «القوات» او»التيار الوطني الحر» او دونهما معاً، علماً انّ التحالف بين «القوات» و»التيار الوطني الحر» سيحصل في دوائر عدة أُخرى.

وفي الوقت الذي كان يفترض ان يُحسم التحالف بين «القوات» و»المستقبل» جاءت زيارة العلولا لبيروت ودعوة الحريري لزيارة الرياض، فأجّلتا البحث في هذا التحالف الى ما بعد عودة رئيس الحكومة.

على انّ بعض السياسيين الذين واكبوا زيارة العلولا لبيروت، وجدوا في حرصه على الاجتماع بكل رؤساء الحكومة السابقين: نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، تمام سلام، بعد اجتماعه بالحريري، ما يؤكد انّ السياسة الانفتاحية الجديدة التي قررت الرياض انتهاجها إزاء لبنان، في شقها المتعلق بالعلاقة بينها وبين نادي رؤساء الحكومات الحاليين والسابقين والبيئة التي ينتمون اليها، تقوم على النظرة الى كل من يتولى منهم رئاسة الحكومة على انه متقدّم بين مُتساوين.

ما يعني انّ بقاء كل منهم في موقع رئاسة الحكومة سيكون مرهوناً بمدى نجاحه في تحمّل المسؤولية على مستوى بيئته وعلى المستوى الوطني، وكذلك على مستوى العلاقة بين لبنان والدول العربية.