تتحكم ​اسرائيل​ ميدانياً وعسكرياً بالجهة المقابلة للحدود الجنوبية ل​لبنان​، وبما انها دولة عدوة فإن اللبنانيين يتوجسون منها شراً بسبب تجاربهم السابقة معها في هذا المجال، ومدى الاجرام الذي تتسم به. وبعد ان شكّل الخط الازرق لسنوات، حدود لبنان "المبدئية" وسط اعتراض السلطات اللبنانية على نقاط محددة (13 نقطة تحديداً)، لم يعد هذا الخط صالحاً لتحديد الخط النهائي للحدود اللبنانية. ولطالما شكّلت هذه النقاط مسرح اختلاف مع الاسرائيليين الذين طالبوا بالالتزام بالخط الازرق كحدود نهائية والا...

اليوم، ووفق حركة ومسار النشاط الدبلوماسي والسياسي والحركة المكوكية، يظهر ان الاسرائيليين باتوا اكثر ليونة في ترسيم الحدود البرية، ولكن من يعرف اسرائيل يدرك تماماً ان في الموضوع "قطبة مخفية". هذه الليونة ليست مجانية، بل تخفي وراءها ما تخفيه من اطماع ونيات مبيّتة اهمها:

-الانتهاء كلياً من القلق على سلامة الحدود. على عكس ما يتم تصويره، ليست اسرائيل مرتاحة الى الوضع القائم على الحدود اللبنانية، لان اي مشكلة كبيرة قد تهدد باندلاع مواجهات، والقلق على المستوطنين فعلي وحقيقي، لذلك فإن الانتهاء من موضوع الحدود البرية يعفي اسرائيل من هذا القلق، ويسحب اي ذريعة من ايدي ​حزب الله​ للتواجد العلني على الحدود من جهة، وللقول بأنه يعزز نفسه دفاعاً عن لبنان من اي اعتداء قد تقوم به اسرائيل انطلاقاً من الحدود غير المتفق عليها.

-وجّهت اسرائيل انظارها في الفترة الاخيرة الى البحر، خصوصاً وان المياه الاقليمية اللبنانية وفق الدراسات والاستكشافات باتت غنية ب​النفط والغاز​، وهذا بذاته اهم بكثير من بعض الامتار المربعة على الحدود البرية، كما ان الترسيم البحري اكثر تعقيداً من الترسيم البري، فالخرائط البرية يمكن الركون اليها ولو كانت قديمة، فيما من الصعب فعلاً تحديد الخط البحري الفاصل بين الدول.

اضافة الى ذلك، فإن الانقسام اللبناني واضح حول الركون الى الجهة الصالحة للبت في الموضوع، الى حد الاختلاف العميق في وجهات النظر بين من يدعو الى اعتماد اللجنة الثلاثية، ومن يدعو الى الاعتماد على جهة ثالثة باعتراف اممي لها. مع التذكير بأنه كلما طال امد الاتفاق على صيغة توحد اللبنانيين حول هذه المسألة، كلما استفادت اسرائيل من الامر.

-ليس للبنان تجربة جدية في المواجهات البحرية لاسباب عدة اهمها عدم تمتعه بالقوارب والسفن الحربية اللازمة للدفاع عن مياهه، وعدم خوضه بالتالي اي صراع بحري. وعلى غرار التفوق الجوي، يمكن القول ان اسرائيل تتفوق بسلاحها البحري، وبأشواط، على لبنان الذي لا يعتمد سوى على صواريخ لحزب الله قادرة على الحاق الاذى ببعض السفن الحربية ومواقع التنقيب عن النفط والغاز، فيما تملك اسرائيل غواصات متطورة وسفن حربية مهمة نسبة الى القوى الموجودة في المنطقة.

ولكن، رغم كل هذه المعطيات، فإن التفاوض قائم، ويبدو ان لا قدرة بعد لاحد على "فرض" شروط او بنود على لبنان للتسليم بنسبة معيّنة من الحقوق المائية لاسرائيل، مقابل الاستقرار والحفاظ على الاجواء الهادئة من جهة، وانهاء الخلاف الحدودي من جهة ثانية. اما سبب هذا التفاوض فيعود الى عدم رغبة اي طرف في التصعيد العسكري، مع كل ما يعنيه ذلك من مخاطر وبلبلة ستطال المنطقة باسرها، وعدم قدرة اسرائيل على تحصين نفسها كلياً من خطر الصواريخ، وتأثيرها السلبي على الداخل الاسرائيلي الذي سينعكس على الاوضاع السياسية والاقتصادية والمالية.

الليونة الاسرائيلية الزائفة هدفها الكسب في البحر ما قد تتم خسارته في البر، وهو امر وقف لبنان في وجهه حتى الآن، ولكنه امام معضلة تلزمه على الاتفاق والتفاهم على الطريقة الانجع لحل مشكلة حدوده بطريقة نهائية، فيرفع الصوت للمطالبة بحقوقه وعدم التعرض لها، والا...