لم تأتِ معاناة "ر. ن" (اسم مستعار) وهو مالك إحدى المعاهد أو مطالباته بزيادة المبالغ التي يتقاضاها من ​وزارة الشؤون الاجتماعية​ من العدم وهو يدرك أن ما هو غير متوفّر بالنسبة إليهم يصرف لمعاهد أو مدارس أو مؤسسات تعليمية بحسابات مختلفة وربما "وهمية" في أحيان أخرى.

وقد يظنّ البعض أن المبالغ قد تكون بسيطة أو ربما "الأمور" ليست كما تُصوّر إلا أن الصرخة التي أطلقها رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ "بدقه ناقوس الخطر" عبر الدعوة الى التحقيق في عمل هذه المؤسسات، والمبالغ التي تُدفع لها من وزارة الشؤون الاجتماعية، يضع معالجة هذا الملف على السكّة الصحيحة وربما يضع حداً لأحد أهم ملفات الهدر على حدّ قول أحد المطّلعين على القضيّة.

في تفاصيل المسألة، توقّع المؤسسات التعليمية والجمعيات عقوداً مع وزارة الشؤون الاجتماعية ويحق لها بموجبه أن تحصل على منح تبعاً للمؤسسة أو المدرسة، هذا ما تؤكده مصادر مطلعة، لافتةً الى أن "التلميذ يقدم طلب منحة دراسية على أن تقوم الوزارة بدراسة وضعه العائلي وتقرر الموافقة على الطلب أو رفضه، على أن تبلغ قيمة المنحة مليون و 375 ألف ليرة للطالب".

وتشرح المصادر أنه وبالمقابل "فهناك أموالاً تصرف هدرا على جميعات أو مؤسسات لا تصرّح عن العدد الصحيح للطلاب لديها فتضمّ خمسين طالباً في حين أنها تتقاضَى عن مئة وربما أكثر بكثير، في حين أن هناك مؤسسات تتقاضى أموالاً وهي في الواقع غير موجودة"، مشيرة إلى أن "الهدر" الحاصل في هذا الملف يمنع حصول المؤسسات التي تحتاج الى رفع مستوى المنح الى الحصول على المزيد منها".

هذه الصرخة وسواها حضرت على طاولة رئيس الجمهورية ميشال عون الذي طالب بالتحقيق في أسماء تلك الجمعيات والمبالغ التي تتقاضاها. وهنا تؤكد المصادر أن "طلب الرئيس عون التحقيق في هذا الملف لم يكن فقط نتيجة شكوى بسيطة وردت الى مسامعه في لقاء له، بل في ملف كامل موجود في أدراج ​التفتيش المركزي​ ووزارة الدولة لشؤون ​مكافحة الفساد​"، كاشفةً أن "المبالغ التي تتقاضاها المؤسسات التعليمية سنوياً تصل الى 115 مليار ليرة، والجمعيات الى 375 مليار ليرة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن جزءا من هذه الجمعيات والمؤسسات وهمي ولا يستحق هذه المبالغ".

كما تكشف المصادر أن "وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد ​نقولا تويني​ طلب من جهاز ​أمن الدولة​ فتح تحقيق في هذه الجمعيات والمراكز التربويّة، على أن يتم ارسال التقارير عن أوضاعهم والأعداد المتوافرة لديهم والمبالغ التي يتقاضونها، وتبعاً للنتائج سيصار الى احالتهم الى القضاء المختص"، لافتةً الى أنه "وقبل البدء بالتحقيق جمّدت كل المساعدات الى حين إظهار كل الحقائق".

لا يعدّ هذا الملف إلا واحداً من تلك الملفّات الموجودة في أدراج الدولة منذ سنوات، واللافت أنه وللمرّة الأولى يبدأ العمل جديا على معالجة هذه المشكلة بعد التحقيق الذي طلبه رئيس الجمهوريّة، فهل ينجح بإقفال باب "الهدر" هذا تمهيداً لإحالة المتورطين الى القضاء؟!.