أكد ​السيد علي فضل الله​ ، في خطبة صلاة الجمعة، أن "في ​لبنان​ تنشغل القوى السياسية بتحضير نفسها لانتخابات يتوجَّس الجميع منها خيفة، وإن اختلفت نسبة الهواجس بفعل القانون الانتخابي الجديد، فالتّحالفات التي ثبتت في السنوات الماضية، وتحققت من خلالها المكاسب، لم تعد صالحة اليوم، فالتحالفات، كما يقال الآن، على القطعة، لا على المشاريع السياسية، بل المصالح الانتخابيَّة، والجهات السياسية أو المرشحون الَّذين لم يكن لهم حظّ بفعل ما كان يسمى بالمحادل الانتخابية، أصبحوا قادرين على الاختراق، وعلى تعديل موازين القوى في بعض الحالات".

وأشار فضل الله الى أنه "ثمة وعي متزايد لدى الجمهور الذي كان بالإمكان الإمساك بقراره، بمجرَّد دغدغة مشاعره الطائفية والمذهبية، أو إثارة الخوف عنده من الآخر، أو تدشين مشاريع على عتبة ​الانتخابات​ هي أساساً من حقّه وتدفع من كيسه، أو لمصالح خاصَّة، فما عاد بالإمكان إقناعه بسهولة، بعد أن اختزنت ذاكرته الكثير من صفحات الماضي السوداء عن العجز عن النهوض بوطنه، أو تأمين متطلباته الأساسية في ​الكهرباء​ والماء، أو حمايته من آثار النفايات و​التلوث​ والمحاصصة والفساد والهدر والاستئثار بالمال العام"، موضحاً أن "الشَّعب يريد ممن كانوا في مواقع المسؤوليَّة أن يقدموا حساباً حقيقياً عن حصيلة إنجازاتهم، وعن العقبات التي انتصبت أمامهم، وسبب حصولها، وإذا حصل الخطأ، أن يضمنوا لهم أن لا يتكرّر مرة ثانية، ويريد ممن يتقدمون إلى مواقع المسؤولية أن لا يكتفوا بتقديم أنفسهم بوصفهم البديل، وأن يقولوا إن الأخطاء التي حصلت من سابقيهم لن تحصل معهم، بل أن يقنعوا هذا الجمهور بأنهم قادرون على أن يعالجوا ما لم يعالجه غيرهم، وأن يكونوا البديل بما يقدمونه من مشاريع".

وتابع بالقول أن "كل شخص يتصدى لموقع سياسي، ينبغي أن يعي أنه يقدم على مسؤولية سيحاسب عليها، وهو عندما يحاسب، إنما ينبغي أن يحاسب على القوانين التي كان له دور في تشريعها، والقرارات التي اتخذت في ظل وجوده، ومدى الرقابة التي قام بها على أجهزة الدولة ومسارها، وعلى حسن اختياره لمن تصدروا مواقع المسؤولية من رؤساء ووزراء، ومدى اهتمامه بمصالح من يمثلهم، وعمله لأجلهم، من خلال طرح مشاريع قوانين تنمّي ​اقتصاد​ البلد، وتحفظ حقوق المواطنين الاجتماعيّة، وتحمي حرياتهم، وحتى لا نظلم صاحب الموقع السياسي، فليس هو دائماً من يتحمل مسؤولية النتائج، والمهم أن يكون قد بذل جهده، ولم يقصر في موقعه النيابي".

كما نوه فضل الله الى انه "ينتظر اللبنانيون بفارغ الصبر النتائج التي تترتب على موازنة العام 2018، وأيديهم على قلوبهم من أن تحمّلهم أعباءها، أسوة بالموازنات السابقة، أو تخفض التقديمات التي كانوا يحصلون عليها كمواطنين، بعد الحديث عن عجز مهول وصل إليه البلد حتى الآن، حيث بلغ 12000 مليار ليرة، وبعد سريان الحديث عن خفض موازنات الوزارات إلى 20 بالمئة"، مشيراً الى "أننا هنا، نقول ما قلناه سابقاً عند الحديث عن مشروع موازنة 2017، بأن على الدولة أن لا تستسهل خفض عجزها الناتج من سوء إدارتها، بمد يدها إلى جيوب مواطنيها، أو أن تأخذ منهم ما هو من حقهم على المستوى الاجتماعي أو الصحي أو الإنمائي، فالشعب لم يعد قادراً على تحمل أعباء هو الآن ينوء بسابقاتها، وأن يتقي النواب غضب الشعب وهم على أبواب انتخابات".

كما اعتبر أن "العلاج يكون، كما هو واضح، بإيقاف الفساد، واستنهاض الاقتصاد، والتعرّض لمصاريف الكماليات في الدولة والهدر المستشري فيها".

وتطرق بالحديث الى "نسب ​الفقر​ العالية التي بلغها لبنان، كما ورد في التقرير الصادر عن المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، الذي أشار فيه إلى أنَّ نسبة الحرمان متزايدة في المناطق المختلفة، وأنها بلغت حتى الآن حدود الأربعين في المئة، وهي في تزايد مستمر، ما يشير إلى عقم السياسات المتّبعة، والانحدار الذي وصل إليه الواقع الاجتماعي والمعيشي، والذي يخشى من تداعياته الخطيرة، ما يستدعي استنفاراً من قبل كلّ المعنيين على المستوى الرسمي والشعبي".

أما عن فلسطين، فنوه الى أنه "في فلسطين يستمر الكيان الصهيوني في توجهاته العدوانية، وكانت القدس آخرها، من خلال سعيه إلى فرض ضرائب على الكنائس والممتلكات العائدة لها، في محاولة جديدة لإضعاف الوجود المسيحي في القدس، كمقدمة لمشروعه التهويدي للقدس ولفلسطين، بعد الضغوط التي مارسها على المسجد الأقصى والرابضين فيه"، مشدداً على انه "في هذا المجال، لا بدّ من أن نحيّي الموقف الشجاع للكنائس المقدسيّة بكل تنوعاتها، بإغلاق ​كنيسة القيامة​، كتعبير صارخ عن رفضها هذا القرار، وهو ما أجبر العدو على التراجع عن قراراته، وتعليق الإجراءات الضريبية في هذه المرحلة"، داعياً إلى "مزيد من التكاتف بين كل المقدسيين، بكل تنوعاتهم الدينية، للعمل معاً على حماية هذه المدينة التي نريدها أن تبقى موئلاً للديانتين الإسلامية و​المسيحية​".

وختم بالقول أنه "في هذا الوقت يأتي القرار الأميركي بتحديد موعد لنقل ​السفارة الأميركية​ إلى القدس، في الذكرى السبعين للنكبة، وهو قرار يحمل طابع التحدي والاستفزاز لحقوق ​الشعب الفلسطيني​ ولمشاعر العرب والمسلمين"، داعياً العرب والمسلمين إلى أن "لا يمرّ عليهم هذا القرار مرور الكرام، فلا بدَّ من أن يعلنوا رفضهم له بدءاً من الآن، لا أن ينتظروا الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة على تنفيذه".