أكد وزير المال ​علي حسن خليل​ في كلمة له في مؤتمر ​مكافحة الجرائم​ المالية الذي تنظّمه جامعة LIUأنه "يسعدني أن أكون على هذا المنبر شاهداً على هذا المؤتمر الذي يكتسب أهمية استثنائية في ظل التحديات التي يواجهها وطننا الحبيب، هذا الوطن الذي استطاع رغم كل الصعاب أن يخرج من أزماته أكثر قوة ومتانة على الصعيد الأمني والعسكري والسياسي. اليوم يواجه كما غيره من بلدان العالم تحدٍ أكبر وهو الجريمة المالية التي تكتسب صفة الجريمة العابرة للحدود والقارات والبلدان، لا يميّزها عن الجرائم الأخرى سوى أنها بدون دم لكنها أخطر بكثير من الجرائم التي فيها دم".

وأعرب خليل عن "شكره العميق للجامعة وإدارتها وللكلية المختصة على أنها في هذا الوقت الذي يعتبره البعض وقتاً ضائعاً في ال​سياسة​ تلتفت إلى هذه القضية المركزية وتتناولها لتضعها برسم الرأي العام ويرسم الطلاب لتكون مادة نقاش علمي وجدي يوصلنا إلى توصيات حقيقية نستطيع معها على مستوى الإدارة السياسية والإدارة المالية للبلد أن نستفيد منها وأن نخرج بقرارات مبنية على دراسات وقواعد علمية لمواجهة هذه الآفة أو هذا التحدي الكبير الذي يواجه لبنان"، لافتاً الى أنه "اليوم تطورت كثيراً الجرائم المالية بتطور التقنيات والوسائل الحديثة القادرة أن تخرق الكثير من النظم حيث الحواجز لم تعد موجودة على الإطلاق أمام من يريد أن يمارس هذا الفعل وبالتالي علينا أن نبتدع الأساليب والقوانين والآليات التي تعمل على ضبط هذه المسألة ضمن الحدود الدنيا. نعم هناك أنواع من الجرائم المالية وعلينا أن نميز بين الجرائم المتصلة بالإرهاب والمتصلة بتبييض الأموال وغيره وبين الجرائم المتصلة بالأمن الاقتصادي والمالي الداخلي للبدان عبر الكثير من المشكلات البنيوية التي تواجهها لا سيما في الهدر والفساد والسرقة وسوء إدارة المال العام والتهرب الضريبي وغيرها من المسائل التي تشكل أيضاً بذاتها نوعاً من الجرائم التي لها طابعاً خاصاً بالدول ومؤسساتها".

ولفت الى أن "بعض الجرائم هذه يغطيها قانون العقوبات اللبناني والقوانين الأخرى المرعية الإجراء، والبعض الآخر لا يغطيها وبحاجة إلى أن نمارس ضبطاً فعلياً لها ومن جهة أخرى الجرائم المالية التي نتناولها اليوم في أبحاثنا وهي المتصلة ببعض التحديات التي أخذت طابعاً عالمياً جعلت لبنان إلى ان يضطر مختاراً ومؤمناً ملتزماً بأن عليه أن يمارس أعلى درجات الامتثال للقوانين والأنظمة الدولية في ما يتعلق بحركة المال على مستوى العالم. لهذا أقر لبنان قانون مكافحة تبييض الأموال والقانون المتعلق بتبييض الأموال ومكافحة الإرهاب وأقرينا في المجلس النيابي أيضاً قانون نقل الأموال عبر الحدود والتصريح عن هذه الأموال وهي مسائل حدّت إلى حد كبير من مسألة تهريب الأموال وتوظيفها في الأعمال الإرهابية".

وأكد خليل أنه "نعم اليوم نستطيع القول أن لبنان قد استوفى كل المعايير الدولية في التعاطي مع مسألة مكافحة الجريمة المالية ومكافحة تبييض الأموال والإرهاب ولبنان الذي أقر سلسلة هذه القوانين يتعاطى بانفتاح عبر مؤسساته المالية الرسمية وعبر ​القطاع الخاص​ عبر ​مصرف لبنان​ في ما يتعلق بالهيئات الملحقة به التابعة والتي تقوم بـأدوارها كاملة في ضبط هذه العملية ، ومن جهة أخرى عبر ​القطاع المصرفي​ الخاص الحريص على الاستجابة للمعايير والامتثال للقوانين والتنسيق الدائم والدقيق مع البنوك المراسلة في الدول المختلفة لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية. اليوم ولأننا نتناول هذه المسألة التي تتصل بشكل أو بآخر بانتظام الوضع المالي العام على مستوى الدولة من خلال نقاش ​الموازنة​ العامة التي قبل تناولها أود القول أن هناك الجرائم الداخلية التي تحدثت عنها والتي تطال ​القطاع العام​ تتطلب من الدولة أن تسرع إلى إقرار جملة من القوانين والتعديلات على القوانين التي تسمح بضبط هذه العمليات على المستوى الداخلي لا سيما إعادة النظر بقانون الإجراءات الضريبية والقوانين المتعلقة باختلاس المال العام، والقوانين المتصلة بقانون الصفقات وقانون المناقصات والقوانين الأخرى التي تتصل بهذه المسألة لا سيما قانون المحاسبة العمومية التي يحتاج إلى كثير من الجهد لكي يحدث بما ينسجم مع التطورات الحاصلة على الصعيد العالمي كما ما يتعلق ب​ديوان المحاسبة​ و​التفتيش المركزي​ وكلها مؤسسات لا بد من إطلاق عملها لكي نستطيع أن نضبط الجريمة المالية الداخلية. اليوم أيها الطلاب الأعزاء أمامكم فرصة لكي تعبروا من خلال هذا المؤتمر ومن خلال مواقعكم المختلفة عن مطالبتكم الدولة ومؤسسات الدولة لأن تكون على مستوى آمالكم وطموحاتكم في معالجة المشاكل الاقتصادية والمالية التي يعاني منها وطننا لبنان".

وأشار الى أنه "من موقع المسؤولية أقول أننا في أزمة حقيقية على المستوى الاقتصادي والمالي وهي أزمة رغم صعوبتها غير مستعصية إذا ما كان هناك إرادة سياسية حقيقية في أن نعيد تنظيم أمورنا ونضع أنفسنا على سكة المعالجة الحقيقية وهذا الأمر لا يستقيم إلا مع إقرار موازنة عامة فيها حد أدنى من التوازن المالي وفيها رسم لمسار إصلاحي ضروري لا بد منه لكي يعيد الأمور إلى نصابها وإلا نكون كمن يمشي عكس سير الأمور ويدفع بها إلى الهاوية. إن المؤتمرات الدولية التي نعوّل عليها لا يمكن أن تعطي الأثر الإيجابي دون أن تواكب بإجراءات حقيقية أولى عناوينها إقرار الموازنة العامة وإقرارها ليس كيفما كان بل إقرارها على أسس إصلاحية حقيقية تعيد لبنان إلى مسار التوازن وتخفف كثيراُ من دينه العام ومن كلفة هذا الدين ومن نسبة هذا الدين إلى الناتج المحلي ونسبة العجز وتخفيض نسبة الدين إلى الناتج المحلي والتي وصلت إلى مرحلة دقيقة وخطيرة جداً"، موضحاً أنه "لنستطيع أن نصل إلى هذا الأمر لا بد أن تكون على تماس مع مستقبل البلد السياسي الذي يرسم من خلال الانتخابات النيابية والانتخابات".

ولفت خليل الى أنه "ربما يعتبر البعض أنها مسألة خارجة عن سياق ما نتحدث به، لكننا إذا كنا نؤمن بلبنان، الوطن القادر على الحياة والعيش، فإن قدرته هذه ممتدة من نظامه السياسي الديمقراطي التي تشكل الانتخابات النيابية أحد أبرز أعمدته. عليكم المشاركة الواسعة وأن تعبروا بصدق عن طموحاتكم من خلال الاختيارات الأنسب التي تستطيع أن تخرج لبنان من أزماته والقانون الذي نحن بصدد إجراء الانتخابات على أساسه وإن كان أقل بكثير من طموحاتنا لكنه قانون نستطيع معه أن نبدأ عملية تغيير حقيقي لواقعنا السياسي الصعب. نحن نريد لهذه الانتخابات أن تحصل في أعلى درجات المنافسة لكن تحت سقف القانون، تحت سقف النظام وتحت سقف الخطاب الوطني الذي لا يستبدل بخطاب تحريضي طائفي غرائزي، علينا أن نمارس أدوارنا دائماً تحت سقف المصلحة الوطنية العامة".