الصوت التفضيلي عنصر إرباك داخل اللائحة الواحدة ويُعزّز مقولة «أنا ومن بعدي الطوفان»

في كل البلدان الديموقراطية تجري الانتخابات النيابية وتنسج التحالفات على أسس وبرامج انتخابية واضحة تحاكي تطلعات وأماني الناخبين، وحده لبنان من بين هذه الدول يشذ عن القاعدة، وتجري فيه الانتخابات بالمقلوب، فالمصالح هي التي تتحكم بالتحالفات، ولا مكان في المعركة الانتخابية لمتطلبات وتطلعات النّاس. نعم، إن غالبية المرشحين يقومون بجولاتهم الانتخابية ولا يفوتون مناسبة، ان كانت للفرح أو للحزن، الا ويتقدمون الحضور ويغدقون الوعود ويظهرون للناس بأن مستقبلهم ومستقبل ابنائهم سيكون مزروعاً بالورد والياسمين، الا ان كل ذلك يتلاشى بعد أيام قليلة من إعلان النتائج وأخذ الصور التذكارية.

الانتخابات هذه المرة مختلفة عن كل المرات حيث ساهم القانون النسبي إلى حدّ كبير في تلاقي الأضداد في لوائح موحدة، كما انه ساهم بشكل مطلق في تغييب البرامج الانتخابية التي حلت محلها المصالح السياسية والشخصية والمذهبية والمضحك المبكي ان كل القوى السياسية من دون استثناء وقعت في هذا الجرم المميت الذي يعد مقدمة للاطاحة بالعمل الديموقراطي وتغييب التوجه الإنمائي الذي يتوجّب على كل مرشّح ان يضعه مقدمة في برنامجه الانتخابي.

وعليه وعلى مسافة ثلاثة أيام فإن المناخ الانتخابي ما زال ضبابياً، وان غالبية اللوائح الانتخابية تنتظر استكمال اعداد المرشحين لكي يعلن عن ولادة هذه اللوائح التي ستكون في معظمها أقرب إلى «فسيفساء» تجمع مرشحين لا ينتمون إلى توجه سياسي واحد، ومن غير المضمون ان تتحوّل هذه اللوائح في ما بعد الى كتل في البرلمان حيث عادة ما يلتحق كل نائب بالكتلة التي تحمل توجهه السياسي وعلى قاعدة «يا رب نفسي».

وليس سراً القول بأن ما يؤخر اتضاح الرؤية الانتخابية إلى الآن ان لناحية استكمال عقد المرشحين لدى القوى السياسية أو حياكة التحالفات تمهيداً لاعلان اللوائح قبل السادس والعشرين من الشهر الحالي هو عدم الوصول إلى تفاهمات انتخابية بين ​بيت الوسط​ و​معراب​، وبين ​الرابية​ ومعراب، عدا عن تحالفات أخرى أقل أهمية، وبالرغم من كثافة الاتصالات واللقاءات والتنازلات والمقايضات من هنا وهناك فإنه ليس هناك ما يؤشر إلى ان الأمور ستحسم في الساعات المقبلة، وان الأنظار تتجه الآن إلى عودة الرئيس ​سعد الحريري​ من المملكة العربية ​السعودية​ وما يُمكن ان يحمله من توجهات من شأنها ان ترسم معالم التحالفات المتصلة بتيار «المستقبل».

ومن نافل القول ان مسألة الصوت التفضيلي قد خلقت حالة من الإرباك لدى القوى السياسية، حتى بين المرشحين المنضوين في لائحة واحدة، حيث سيحاول كل مرشّح ان يسحب البساط لناحيته مخافة السقوط، وعلى قاعدة «من بعدي الطوفان»، وهذا بالطبع سيخلق حالة من النفور والتوتر حتى داخل اللوائح نفسها، إذ ان كل طرف سيحاول الفوز بالصوت التفضيلي على حساب مرشحي الحلفاء.

وفي تقدير مصادر سياسية مطلعة ان التخبّط الذي تشهده المطابخ الانتخابية سيستمر في الساعات المقبلة، وهذا التخبط ينسحب أيضاً على المرشحين العالقين في شباك الضبابية التي تتحكم بمسار العمليات التفاوضية التي تجري بين الأطراف السياسية التي ستخوض غمار هذه الانتخابات. وهذا التخبط لا يسري على جهة الثنائي الشيعي الذي ينعم بالاستقرار ومرتاح على وضعه بعد ان أعلن كل من الرئيس نبيه برّي والسيّد ​حسن نصر الله​ أسماء مرشحيهم لهذه الانتخابات، وقد عبّر الرئيس برّي عن ذلك امام أحد الوفود التي زارته أمس بقوله: «انا و«السيد» الوحيدين اللذين اتممنا تشكيل اللوائح الانتخابية لحركة «امل» و«حزب الله» بثلاث دقائق»، وهو كلام يعبر عن مدى ارتياح الثنائي الشيعي للمسار التحالفي القائم بينهما على الصعيد الانتخابي وغير الانتخابي، وهذا ما يجعل الطرفين مطمئنين للنتائج التي ستتمخض عن هذه الانتخابات والتي ستكون بالتأكيد بحجم توقعاتهما، مع ان هناك جهوداً تبذل لإحداث خرق في هذه اللائحة في بعض الدوائر.

وفي تقدير هذه المصادر ان الخيط الأبيض الانتخابي سيتبين من الخيط الأسود حتماً في غضون الساعات المقبلة، كون ان هناك سقفاً زمنياً محدداً في القانون يتوجّب الالتزام به، وبما ان أبواب تقديم طلبات الترشح تقفل منتصف ليل السادس من آذار، فإن كل الأطراف ملزمة بالكشف عن اوراقها ترشيحاً وتحالفاً قبل هذا الموعد، خصوصاً وان الاتصالات الجارية لشبك التحالفات من الممكن ان تخف، كون ان الاهتمام سيكون بدءاً من منتصف هذا الشهر منصباً على وضع الآليات المطلوبة لإنجاح المؤتمرات الدولية التي ستعقد دعماً للبنان، بدءاً من منتصف هذا الشهر وفي أوائل ونهاية نيسان ......