أشار ​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​ في عظة ألقاها اليوم في ​بكركي​ إلى ان "رجوع الإبن الضّال إلى بيت أبيه، في هذا المثل الإنجيلي، يرمز إلى الخاطي الّذي يدرك خطيئته، ويعي حالة البؤس الرّوحي والإجتماعي والكنسي الّذي بلغ إليه. فيتوب ويرجع إلى الله، إلى سعادة الشّركة معه ومع الجماعة المؤمنة والمجتمع. عنه يقول الآب السّماوي ما قاله ذاك الأب الّذي طار فرحًا بعودة ابنه الضّال: "إنّ ابني هذا كان ميتًا فعاش، وضالاً فوجد" (لو 5: 24)"، لافتا إلى انه "اختتمنا أمس "سنة الشّهادة والشّهداء" الّتي كنّا قد افتتحناها في 9 شباط من العام الماضي بمناسبة عيد أبينا القدّيس مارون، لتُختتم في 2 آذار الجاري في عيد أبينا البطريرك الأوّل مار يوحنّا مارون. فيُسعدنا اليوم أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهيّة الّتي دعا إليها مكتب التّنسيق بين المؤسّسات المارونيّة، ويشارك فيها أعضاء هذه المؤسّسات وأصدقاؤها. ويطيب لنا جميعًا أن نشارك بما يليها من نشاطات للمناسبة وهي التّالية: النّشاط الأوّل، إزاحة السّتارة عن تمثال الشّهادة والشّهداء للنحّات بيار كرم، وتقدمة المهندس نعمة فرام مشكورًا".

وأوضح ان "هذه المنحوتة من البرونز بطول مترين وربع، وبعرض متر، مرفوعة في باحة كنيسة الصّرح الشّماليّة لتشهد بما تحمل من رموز ومعانٍ: صليب ​المسيح​ المشعّ بأنوار القيامة؛ وفي الأسفل الشّهيد المتألّم والمتمسّك بالإنجيل في وجه قوى الشّر المقابلة، فيما يحتضنه والكنيسة رداءُ السّماء؛ وفي الأعلى تشعّ شمس الحقيقة، والشّهادة الّتي ترتقي الدروب نحو السّماء حيث مسكن الشّهداء الأبرار".

ولفت إلى انه "بلغنا مع هذا الأحد الرّابع إلى منتصف زمن الصّوم الكبير الّذي تتلو فيه الكنيسة إنجيل الإبن الضّال. وهو مثل يشرح فيه الرّب يسوع مفهوم الخطيئة ونتائجها، والتّوبة ومكوّناتها، والمصالحة وثمارها. فالخطيئة، كما تظهر من تصرّف الإبن الأصغر، هي سوء استعمال خيرات الدّنيا، والإفراط بالحريّة الشّخصيّة، من دون أي رباط وشركة مع الله. وهي بالتّالي تعلّق القلب والفكر والإرادة بالعطايا وإهمال الله معطيها ونسيانُه والإستغناءُ عنه. فكانت نتيجتها الإفتقار من القيم الرّوحيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة، وانحطاط الكرامة أمام الله والنّاس (الآيات 11-17)". وأكد ان "التّوبة، كما ظهرت عند الإبن الضّال، هي وقفة رجوع إلى الله والذّات. فبالرّجوع بالفكر إلى الله ندرك غنى محبّته ورحمته والطّريق الّذي بسطه أمامنا بكلامه ووصاياه، وبالرّجوع إلى الذّات يدرك الخاطئ حالته الشّاذة والشّقيّة. فيندم ويقرّر الخروج من حالته هذه وأسبابها، راجعًا فعليًا إلى الله عن طريق الكنيسة الّتي سلّمها المسيح الرّب بسرّ الكهنوت سلطان سماع التّوبة ومنح الغفران، وفرض واجب التّكفير والتّعويض عن الخطايا والإساءات لله ولجماعة المؤمنين وللناس (الآيات 18-20)".

وشدد على ان "شهادة الدّم هي وجه من وجوه الإستشهاد: فثمّة الإستشهاد الجسدي بالقتل والتّعذيب والتهجير؛ والإستشهاد المعنوي بامتهان الكرامات وكبت الحرّيات؛ والإستشهاد القانوني بسلب الحقوق وممارسة الظّلم؛ والإستشهاد القضائي بتوقيف أشخاص وعدم محاكمتهم، وبتعطيل الأحكام القضائيّة، وتسييس العدالة وتوجيهها واستباحة سرّيتها إعلاميًا وسياسيًا، وبالمماطلة الطّويلة في إصدار الأحكام؛ والإستشهاد السيّاسي بإقصاء موظّفين من وظيفتهم في الإدارات العامّة، باتّهامهم وحرمانهم من حقّ الدّفاع عن النّفس، فيما هم مخلصون للقانون، وغير ملوّنّين بلون حزبي، وبإجراء تعيينات من لون واحد ومذهب واحد نافذ سياسيًا؛ والإستشهاد الإقتصادي بإفقار الشّعب وحرمانه من حقوقه الأساسيّة في السّكن والتّعليم والعمل والصّحة والبنى التّحتيّة. لا يمكن الإستمرار في هذه الحالات من الإستشهاد، والمسؤولون السّياسيّون غير مبالين، وهم معنيّون فقط بمصالحهم الخاصّة".