اعادت قضية زياد عيتناي وما شابها من امور، الاهتمام الى بعض الاجراءات التي تتخذ والتي في بعض الاجيان يكون خلالها المواطن بريئاً ومظلوماً... لا يمكن استباق التحقيق او ان نكون بدل المحققين و​القضاة​، ولكن من المهم جداً مراعاة بعض القوانين والعمل بروحيتها بدل العمل بنصها الجامد، منعاً لان يُظلم بريء او ان يُدان من لا علاقة له بالجريمة اياً تكن، فيما المجرم يسرح ويمرح.

لسنا في معرض الادانة بطبيعة الحال، فنحن ندعو الى الابتعاد عنها وتركها لاصحاب الشأن، وليس الهدف الدفاع او الادعاء مجدداً عن عيتاني او غيره من المواطنين، ولكن الهدف حماية اللبنانيين من بعض الامور التي تؤثر سلباً، ليس عليهم فقط، بل على النظام الامني والقضائي بشكل عام.

هل يمكن لاحد ان يتصور مثلاً ان احداً لن يقف لمساعدة انسان مصاب على الطريق ونقله الى المستشفى مخافة ان يفارق الحياة على الطريق، فيصبح ناقله (وهو فاعل خير) موقوفاً وربما متهماً بقتله؟ وهل يمكن لاحد ان يتصور ان مواطناً يخشى ان يدخل الى مخفر او مركز ل​قوى الامن الداخلي​ لاجراء معاملة او حتى الادعاء على احد مثلاً، فيجلس لساعات ريثما يتم طلب ​النشرة​ الامنية الخاصة به والتي يمكن ان تتضمن معلومات خاطئة قد تؤدي الى توقيفه لامور لم يقم بها؟.

لا يمكن القاء اللوم على ​القوى الامنية​ فقط في حال حصول اخطاء، لان المسألة عملية مترابطة تبدأ بالمواطن وتنتهي ب​القضاء​. فعلى المواطن ان يبتعد عن الاعمال السيئة ويتبع ضميره اولاً، وعدم القاء التهم جزافاً على اناس ابرياء وبعيدون كل البعد عن الاعمال المخالفة للقانون. اما القوى الامنية، وهي العنصر الابرز في هذه الحلقة كونها نقطة الوصل بين المعلموات التي تتلقاها والنجاح في ايقاف الجرائم على انواعها، فهناك ثقل كبير جداً على اكتافها لان الخطأ ممنوع، فهو اما سيغيّر حياة بريء، او انه سيحمي المجتمع من اناس خطيرين يستهدفون زعزعة ​الامن العام​ والامن الاجتماعي وغيره... وعلى القوى الامنية مسؤولية مزدوجة، خصوصاً في ظل هذه الاوضاع الامنية التي نعيشها، فكلما ازداد الخطر الامني، ازدادت المسؤولية في معرفة الخيط الابيض من الاسود. صحيح انه لا يمكن للقوى الامنية اغفال اي معلومة تتعلق بنشاطات خطيرة تتعلق ب​الارهاب​ او بزعزعة اسس المجتمع من ​مخدرات​ و​جرائم قتل​ واعتداءات وغيرها... ولكن من المهم ايضاً عدم التعامل مع اي مواطن تعرّض لشبهة ما، على انه مجرم وادانته قبل المحاكمة، فتتحول حياته -اذا كان بريئاً- الى جحيم من قبل العناصر الامنية والمجتمع ككل، فيصبح هو واهله ومعارفه وكل من يمتّ اليه بصلة، "مجرمون". وهنا، نصل الى الجهة الثالثة التي تصبّ عندها كل المعطيات والمعلومات، والمخوّلة البت بالموضوع سلباً او ايجاباً، وهي الجهة القضائية. فعلى القضاة ان يكونوا بعيدين عن كل ضغوط حتى ولو كانت من الرأي العام قبل ان يحكموا بقضية، وان يكونوا منزّهين عن كل خطأ لان عليهم يتوقف مصير اشخاص فإذا حكموا بإدانة بريء، افسدوا حياته وحياة كل من يعرفه سدى، واذا برّأوا مجرماً في المقابل، حكموا على المجتمع وعلى اناس كثيرين بالخطر وتهديد املاكهم وارواحهم... إنها مسؤولية كبيرة على القاضي تحمّلها، كما يتوقف على نتيجة حكمه صورة العالم الى القضاء والقضاة بشكل عام، فإما تزداد الثقة وهو المطلوب، وإما تبعد المسافة بين القضاة والناس فيتأثر البلد بأكمله بالموضوع بفعل توجه الناس الى جهات اخر غير القضاء للبت بمشاكلهم.

إنها حلقة بسيطة ولكنها مليئة بالمسؤوليات وتحكيم الضمير للجهات الثلاث المعنية بها، فإما ان تكون حلقة قوية فيتعافى البلد، وإما ان تكون حلقة ضعيفة فيتهدد الوطن والمواطن وتصبح حياتنا في خطر محدق...