تظن للوهلة الاولى أن طائرة رئيس الحكومة سعد الحريري التي أقلعت من مطار الرياض، حطّت على مدرج شارع "بلس" وتحديدا أمام منزل رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، فبعد ساعات قليلة على خبر مغادرة الحريري الرياض بعد خمسة ايام قضاها في المملكة العربية ​السعودية​، والتقى خلالها الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان، برز خبر اللقاء الرباعي في منزل السنيورة والذي ضم الى جانب الحريري وصاحب المنزل، نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري ووزير الثقافة غطاس خوري.

عانت الحياة السياسية في لبنان منذ لحظة مغادرة الحريري للسعودية من شبه شلل سببه "الغموض" الذي يلف الزيارة ونتائجها، فحليف المستقبل الجديد، ​التيار الوطني الحر​، ينتظر على أحرّ من الجمر "بيان" العودة، والحلفاء القدامى، ​القوات اللبنانية​ و​حزب الكتائب​، ينتظران أيضا، عسى أن تتحقق تحليلات الصحف بإحياء تحالف ​14 آذار​ من جديد، فما الذي حمله الحريري من السعودية؟.

بداية تتوقف مصادر مطلعة على توقيت زيارة الحريري للسنيورة، معتبرة أن عدم تركها لليوم الاثنين سببه الملف الانتخابي، وهذا ما يؤكده حديث الحريري عن طلبه من السنيورة الترشح في صيدا، وجواب الأخير بالتمهل قليلا للتفكير، علما أن المعطيات تشير الى أن السنيورة قد حسم منذ أشهر نيته عدم الترشح في صيدا، وتحديدا بعد الاتفاق على القانون النسبي وتمسك ​تيار المستقبل​ بالنائب بهية الحريري أو ابنها أحمد، لأن مقعدي صيدا سيتوزعان بين رئيس التنظيم الشعبي الناصري وتيار المستقبل، والسنيورة لن يدخل الانتخابات ليخرج خاسرا.

وترى المصادر أن الزيارة جاءت بطلب سعودي يُعيد الاعتبار لحليفها الدائم فؤاد السنيورة، مع الاشارة الى أن مرافقة مكاري للحريري كان لها وقعها أيضا، خصوصا وان الأول سار منذ أسابيع في طريق "الطلاق" مع المستقبل، والتلاقي مع الوزير السابق أشرف ريفي.

عاد الحريري من المملكة جاهزا "ماليا وسياسيا" لخوض الانتخابات النيابية، اذ قال: "الشكوك حول علاقتي بالسعودية غير صحيحة والعبرة بالنتائج وسنرى دعم السعودية للبنان ولسعد الحريري"، وهنا تشير المصادر الى أن نداء رئيس الحكومة الشهير بأن تيار المستقبل لا يملك الأموال لخوض الانتخابات أعطى مفعوله، وسيترجم هذا الأمر في الأيام المقبلة من خلال الحملات الانتخابية التي سترتفع وتيرتها".

اما في السياسة فلا شك أن الحريري الذي برر للسعوديين تحالفه مع التيار الوطني الحر انتخابيا بحجة نقص الأموال والامكانات لخوض المعارك، لن يتخلى عن تحالفه مع رئيس الجمهورية ميشال عون والوطني الحر بشكل كامل، وهو أبلغ السعوديين بحسب المصادر بصعوبة فك التحالف فجأة، الا أنه لن يكون مضطرا أن يسير بالتحالف بشروط الوطني الحر، وهذا الأمر يتجلى واضحا في دائرة صيدا جزين، حيث حمل طلب وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من المرشح الكاثوليكي جاد صوايا تقديم أوراق ترشيحه عن المقعد المسيحي الثالث في الدائرة، اكثر من معنى، حتى ولو انه لا يعني حسم الأمور في تلك الدائرة. وتشير المصادر: "كل المعطيات ترجّح بان المستقبل سيخوض المعركة هناك منفردا، كما انه لن يتحالف مع الوطني الحر في بعلبك-الهرمل، وغيرها"، الأمر الذي يلغي مفعول جملة "تيار المستقبل والتيار الوطني الحر سيخوضان الانتخابات سوية في كل لبنان"، ويفتح الباب أمام تحالف المستقبل مع القوات اللبنانية في أكثر من دائرة، ابرزها بعلبك-الهرمل لمواجهة ​حزب الله​.

وتقول المصادر: "تحالفات تيار المستقبل بعد زيارة الحريري للسعودية لن تكون كما قبلها، وهذا ما يعلمه التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية جيدا، والدليل أنه حتى فجر اليوم الاثنين لم يكن اغلب مرشحي هذه الأحزاب قد قدّموا أوراق ترشيحهم بعد بانتظار ما سيحمله رئيس الحكومة من معطيات قد تبدّل المشهد الانتخابي"، كاشفة أن "كلمة السر" السعودية للحريري صدرت، والنتيجة ستترجم تعاونا انتخابيا مع القوات اللبنانية.

هدف السعودية هو مواجهة حزب الله انتخابيا وسياسيا وهذا الأمر لن ينجح سوى بإعادة جمع الحلفاء القدامى، فهل نشهد تطورات انتخابية تعيد "خربطة" المشهد؟.