لم يسبق أن مرّ ​لبنان​ بتجربة انتخابية كالتي يشهدها حالياً. الأمر لا يتعلق فقط بطبيعة القانون الذي يعتمد النسبية بشكلها القائم، بل يتعداها الى طبيعة التحالفات التي تنسجها القوى السياسية لتأليف كتل مجموعة او مقسومة ضمن حسابات الربح والخسارة، فتشكّل فضيحة سياسية غير مسبوقة في تاريخ وحاضر دول العالم. كل فريق يبحث عن مصالحه الانتخابية لجمع اكبر عدد من النواب في كتلته، مهما تطلّبت تلك المصالح من تحالفات مع خصوم وحلفاء وشخصيات. لا يهم الانتماء السياسي، ولا المواقف الاستراتيجية والتكتيكية. لا تهم ابداً التموضعات المحلية، ولا الاقليمية، ولا الاعتبارات التي شكلّت في السنوات الماضية عوامل نزاع سياسي مفتوح. المهم اولاً وأخيرا: كميّة المقاعد النيابية.

سارعت معظم القوى لنسج تحالفات لم تخطر في خيال ولا اي تحليل سياسي. انها المصالح التي تفوقت على الادّعاءات فجمعت الأضداد وباعدت بين أبناء الصف الواحد. يسمونها "تحالف عالقطعة". لم يسمع بها أحد في عواصم العالم قبل لبنان.

في ​بيروت​ مثلاً، تختلف التحالفات بين الدائرتين الاولى والثانية. الحليف في الاولى خصم للآخر في الثانية. في ​البقاع​ يتكرر المشهد بين خصومة في بعلبك-الهرمل، وحلف بين القوى نفسها في البقاع الغربي-راشيا. كذلك الامر في دوائر الشمال وجبل لبنان.

يتصدر المشهد تحديدا التيار "الوطني الحر". فأي خطاب سياسي سيعتمد؟ كان يخوض معاركه سابقا بهجوم يشنّه على تيار "المستقبل" مثلا، او على قوى "14آذار" مجتمعة. ماذا سيقول الآن؟ سؤال جدي لا يحمل انتقادات ولا تشكيكاً بمشروعه السياسي، بل بالسؤال عن خطابه لتحشيد الناس. اذا كان سيعتمد مصطلحات: هم ونحن. أي لتجهيل الخصم. فليقل هذه المرّة من هو خصمه السياسي الذي يخوض ضد مشروعه ​الانتخابات​. فهو يبدو حتى الساعة حليف كل القوى السياسية. لم يترك اياً من القوى الوازنة في دائرة الاّ وتفاوض او تحالف معها. الامر ينطبق نسبياً على تيار "المستقبل"، بإستثناء خصومة التيار الازرق مع "​حزب الله​" بطبيعة الحال.

هذا يؤكد ان الانتخابات لا تحمل مشروعا سياسيا واضحا عند معظم القوى. هناك ازمة خطاب سياسي، تحمل في مضمونها ازدواجية في المعايير، وفي شكلها تَذاكٍ على الناس. المواطنون يدركون الأمر، كما يبدو على ​وسائل التواصل الاجتماعي​ على الأقل. القصة لا تتعلق بقضية سياسية، ولا مشروع، ولا برنامج سياسي تغييري. القضية صارت واضحة: مصالح القوى في حصد المقاعد ويالتالي الحصص. هذه الوقائع تتطلب الوعي الوطني، لعدم الانجرار وراء خطاب طائفي او غريزي أو تحشيدي. آن الأوان كي ينتخب المواطن على اساس مشروع سياسي قائم على الوضوح الوطني. والاّ فليكذّب السياسي الذين يدّعي محاربة خصم سياسي آخر في دائرة، وهو نفسه يتحالف معه في دائرة أخرى.