لفت الوزير السابق ​زياد بارود​ في كلمة له خلال مشاركته في الجلسة الأولى لمؤتمر ​جامعة الحكمة​ عن "اللامركزية الإدارية الموسعة"، من تنظيم كليتي الحقوق و​العلوم​ السياسية والعلاقات الدولية فيها إلى انه "في زمن الإنتخابات المجنون تدعونا جامعة الحكمة إلى التعقل في النظام ال​لبنان​ي والتعمق في أليات إدارة التنوع فيه. التنوع ضمن الوحدة. هذا العنوان الذي يبلغ برأيي مرتبة القيمة الدستورية أو المبدأ الدستوري، تبدو اللامركزية واحدة من ألياته وبالتالي، لا تصبح اللامركزية غاية بذاتها، بقدر ما هي ألية ووسيلة لإدارة هذا التنوع. ومع ذلك دخلت اللامركزية قافلة التعابير المستهلكة، إذا شئتم. الكل يتحدث عنها وقلة تعرف فعلا ماذا تعني. نسج وخلط بينها وبين اللاحصرية مثلا. ننشىء محافظة هنا، فنهلل: يا هلا باللامركزية. ونحدث مركزا إقليميا للسجل العدلي هناك، ونهلل أيضا. هذه ليست لا مركزية. هذه لا حصرية. ويمكن أن تقوم بأليات بسيطة".

أضاف: "وقد أصبح العالم، اليوم، في مكان آخر. أصبح في طور ​الحكومة​ الإلكترونية، بل تعدى العالم الحكومة الإلكترونية إلى مفاهيم جديدة، ونحن ما نزال نصبو إلى الحكومة الإلكترونية، علما ان دولة ​الإمارات العربية​ مثلا، أصبح بإمكان أي مواطن أو أي مقيم فيها، أن ينجز حوالي 190 معاملة، إدارية عبر هاتفه الذكي".

وتابع بارود: "اللامركزية هي طبعا، سلطات منتخبة بالكامل، تتمتع بالإستقلال المالي والإداري. وهي ليست إلا إدارية، بمعنى أن الحديث أو الجنوح إلى لا مركزية سياسية، يصبح بمصاف الفيديرالية. وقد تخطينا كل هذا النقاش في ​إتفاق الطائف​ حيث دخلت اللامركزية حيز الإجماع وباتت مطلبا وإصلاحا متفق عليه على أنه إداري وموسع. وفي بعض دول العالم وفي أدبيات القانون الدستوري والقانون الإداري، قد لا نجد، الإدارية ترافق اللامركزية. اللامركزية هي إدارية بطبيعة الحال. ولكن تأكيدا على شيء ما، في عقلنا وفي باطننا، نقول اللامركزية الإدارية خشية ألا نذهب إلى شيء آخر".

وأشار الى أن "معالي الوزير الدكتور ​خالد قباني​، هو استاذنا في اللامركزية، يقول بشكل واضح جدا، إنه منذ ​اتفاق الطائف​ حسم الأمر، ولم يعد بالإمكان الحديث عن تقسيم أو فيديرالية وما سوى ذلك. علما أننا علميا ونحن في جامعة الحكمة، لا شيء يمنع على الإطلاق أن نتكلم في الفيديرالية، هي ليست شتيمة. هي تعبير عن نظام سياسي معين ويمكن بالتالي، أن ننقاش قدر ما نشاء. المهم أن لبنان خطا باتجاه خيار هو اللامركزية الإدارية الموسعة، ووضع جانبا أية خيارات أخرى".

وقال بارود: "نحن في إطار دولة موحدة مع سلطة مركزية قوية، أو نتمنى أن تكون قوية فعلا، بالإضافة إلى نظام لا مركزي، نعتمده اليوم، في إطار البلديات واتحادات البلديات، والمطلوب توسيعه ليكون هناك درجة ثانية من اللامركزية، علما أن دولا عديدة تعتمد درجة واحدة كقبرص مثلا، حيث تقتصر اللامركزية على البلديات، وثمة دول ك​فرنسا​ تعتمد ثلاث درجات من اللامركزية".

أضاف: "إنطلاقا من هذه الأساسيات، أجيب على السؤال الذي طلب مني أن أتطرق إليه، أقول هناك عدة اقتراحات ومشاريع قوانين منذ العام 1989 وحتى اليوم، منها ما هو أقرب إلى اللاحصرية منه إلى اللامركزية ومنه ما هو فعلا لا مركزي. وآخر المشاريع كان مشروع اللجنة الخاصة باللامركزية الإدارية الذي وضعناه مع لجنة من الخبراء، لم تكن لجنة سياسية بل كانت لجنة خبراء. ومسودة المشروع لا تدعي أنها كاملة ولكن تريد أن تكون متكاملة، بمعنى أن تقارب كل المواضيع. وهذا المشروع الذي تبناه النائب ​سامي الجميل​ كإقتراح كما هو، وقدمه إلى ​المجلس النيابي​ على شكل اقتراح. وهذا الإقتراح هو ومنذ أشهر قيد المناقشة في لجنة فرعية يترأسها النائب الأستاذ ​روبير غانم​، الحاضر معنا اليوم، وأود أن أسمح لنفسي أن أقول له أنه يستحق صفة المشرع، فيما هناك قلة تستحق هذه الصفة. أنه يدير هذه اللجنة مع الدكتور خالد قباني في محاولة لمناقشة هذا المشروع مادة مادة، في محاولة لتعديل ما يجب تعديله وتحافظ على ما يجب المحافظة عليه من خيارات واتجاهات".

وتابع بارود: "المشروع ينطلق من وحدة الدولة ومن الأساسيات الدستورية التي هي من الثوابت، ولكنه يذهب في اتجاه سلطات منتخبة بالكامل وسلطات تتمتع بالإستقلال الإداري والمالي مع صلاحيات واسعة ومع عصب مالي يحمي هذه الصلاحيات. وهذا المشروع أو الإقتراح يحافظ على البلديات ولا يمس بصلاحياتها ولا بوارداتها، بل يعززها عبر الصندوق اللامركزي. وهذا المشروع يعتمد ​القضاء​ كوحدة لا مركزية، انطلاقا من اتفاق الطائف الذي تحدث عن الوحدات الصغرى وعن القضاء وما دون. وللقضاء نوع من الشرعية التاريخية ولن نقوم بتقسيم إداري جديد ـ بل اننا نحافظ على ما هو قائم، علما أنه ب​قانون الإنتخاب​ عام 2008 تمت العودة إلى القضاء. مع العلم أن التغيير الديموغرافي وبعض المعطيات قد تستوجب بتقسيم القضاء إلى إثنين. وفي القضاء دينامية إنمائية. والمحافظات التي استحدثت لا يمكن إعتمادها كتقسيم إداري".

واعتبر أن "المحافظات التسع حاليا، "عملانها بالمفرق"، ما كان يجب علينا القيام به "بالجملة". نعم يجب إعادة النظر في التقسيم الإداري الذي قام منذ العام 1959 ولكن كان من المستحسن أن تأتي إعادة النظر هذه بشكل يشمل كل لبنان وبالإستناد إلى معايير. غياب المعايير يؤدي إلى ما أسميته ب" المفرق". ونحن بحاجة إلى إعادة النظر بالتقسيم الإداري ولكن بالإستناد إلى معايير واضحة موضوعة مسبقا".

وتساءل: "هل التقسيم الإداري هو نفسه تقسيم اللامركزي؟ وهل هو نفسه التقسيم الإنتخابي؟"، مشيرا الى أنه "ليس بالضرورة الإنتخابية. وليس بالضرورة أن يكون التقسيم الإداري منسجما تماما مع التقسيم الإنتخابي. وهناك الكثير من دول العالم تعتمد تقسيمات انتخابية غير التقسيمات الإدارية. أما في موضوع اللامركزية فمن المستحسن ربما، أن يكون التقسيم الإداري متوافقا تماما مع تقسيم الوحدات المركزية. وهذا يحقق الوضوح لدى المواطنين".

ورأى بارود أن "اللامركزية هي وسيلة لحل النزاعات وليست غاية بحد ذاتها. وهي وسيلة أيضا، لتأمين الإستقرار. ​بلجيكا​ عاشت 527 يوما من دون حكومة ولم تتأثر الدولة والإدارات بسسب اللامركزية".

وختم: "اللامركزية هي في إطار وحدة الوطن ويجب ألا يخاف أحد منها، وعلينا أن نخاف إذا لم نطبقها. وعلينا أن نخاف إذا ظلت ردود الفعل تتعاطى بموضوع الشراكة بالطريقة العشوائية. اللامركزية هي من أفضل إدارة التنوع على المستوى المحلي وهي ليست انسلاخ عن الدولة، إطلاقا، بل على العكس فهي تعزز سلطة الدولة المركزية وتعزز انتماء المواطن إلى حيث هو. وشكرا لجامعة الحكمة التي تدعونا دائما إلى الوحدة والتنوع ضمن الوحدة".