انتهى منذ ايام قليلة مؤتمر "روما-2" لدعم الجيش و​القوى الامنية​ ال​لبنان​ية، بوعود لصرف مبالغ بالملايين لتعزيز القوى المسلحة اللبنانية. انقسمت آراءاللبنانيين حول هذا المؤتمر بين من رأى فيه فرصة لتقوية الجيش ومن اعتبره "ذر رماد في العيون" من اجل تحقيق مكاسب فقط. في الواقع، يجب تسجيل ملاحظتين مهمتين من حيث الشكل قبل طرح افكار حول مضمون الوعود المقدمة: الاولى ان هذه الخطوة اتت بعد سنوات طويلة من الاجحاف بحق الجيش الذي منعت عنه انواع اسلحة تساعده كثيراً في الحرب على ​الارهاب​ بعد ان وضعت "الفيتوات" (ولا تزال) على تزويده بسلاح يقدر من خلاله الدفاع عن الحدود.

الملاحظة الشكلية الثانية هي انه عندما كانت تقرر المساعدات للجيش، كانت على صعيد دولة واحدة، فكانت المساعدات الاميركية، والفرنسية، والبريطانية... بشكل منفرد، فيما تبخرت الهبة التي كانت اعلنت عنها ​السعودية​ بقيمة 3 مليارات للجيش والقوى المسلحة واصبحت طيّ النسيان، علماً انها صدرت على لسان الملك السعودي آنذاك وليس على لسان وزير او سفير.

اليوم، يمكن تسجيل ايجابية في الشكل تتمثل بأن دولاً عدة ساهمت في المؤتمر، وبالتالي لا يمكن ان يقال ان الفضل في اي تزويد للجيش بالسلاح (أكان متواضعاً ام لا)، يعود لدولة واحدة او جراء مساعي شخص واحد في لبنان يعزو الفضل الى نفسه في هذا المجال، كما حصل سابقاً ودون اي نتيجة ايضاً. كما شكّل المؤتمر راحة معنوية للبنانيين الذين سئموا استغلال اسم الجيش ووضعه من قبل البعض لدعوتهم للتبرع من اجل استقدام السلاح بقدرة ذاتية، فيما لا تزال المبالغ التي تم جمعها "مفقودة المصير" حتى يومنا هذا!.

قد تكون هذه الايجابية الوحيدة التي اسفر عنها هذا المؤتمر، فالمضمون لا يبشّر بالكثير، بناء على التجارب السابقة في هذا المجال. لن يختلف اثنان على ان المساعدات ستعطى للقوى الامنية اللبنانية بشكل مهم، انما على صعيد ​الاسلحة​ الفردية وربما المعدات التكنولوجية الحديثة التي يمكن من خلالها ضبط الخلايا الارهابية وكشفها بسرعة اكبر، واحباط بالتالي مخططاتها.

لكن المشكلة القديمة حول انواع الاسلحة التي يمكن للجيش الحصول عليها، لا تزال حاضرة وبقوة. وعلى الرغم من نافذة الامل التي فتحت في الآونة الاخيرة عبر تزويده ببعض الصواريخ والطائرات المخصصة للسيطرة على الارهاب والقضاء عليه، فإن الممنوعات لم تتغيّر، اذ ممنوع على الجيش الحصول على اسلحة نوعية تخوّله الدفاع عن الحدود من اي اطماع أكانت اسرائيلية او غيرها (براً وبحراً وجواً)، كما ممنوع عليه التعامل مع دول يمكن ان تؤمّن له نوعية متقدمة من السلاح على غرار ​روسيا​ او ​ايران​ مثلاً، تحت طائلة "عزله" وشطبه من لائحة المساعدات والدورات التدريبية، والتضييق عليه لجهة تبادل الخبرات والمعلومات وقطع الغيار لآليات ومعدات وغيرها من الامور.

صحيح ان اياً من الدول لم تتهافت لتأمين اسلحة للجيش تخرق جدار الفيتو الموضوع دولياً، ولكن هذا لا ينفي وجود رغبة لدى بعض الدول في اعطاء الجيش ما يحتاجه، ربما لغايات اعادة تأجيج الصراع في المنطقة. اما القول بأن الفيتو على الاسلحة سيُرفع عن الجيش شرط ان يصطدم ب​حزب الله​، ففيه بعضالاستخفاف، ليس تبرئة لنية البعض في الخارج، انما لاستحالة الامر دولياً واقليمياً ومحلياً، فليس هناك من اتفاق دولي حول هذا الامر وهو شرط اساسي لاي تحرك بهذا الحجم، فيما الوضع الاقليمي غير صحي ولا يمكن الاعتماد عليه لصدور قرارات بهذه الاهمية، اما على الساحة المحلية فليس هناك من مؤشرات تفيد بأن الجيش يرغب في حصول مثل هذا الصدام الذي من شأنه انيعيد ​الحرب اللبنانية​، كما ان الحزب يدرك ان نقطة ضعفه هي الساحة الداخلية، وهو يبذل ما بوسعه لابقائها تحت سقف معيّن يحرص على عدم تخطيه من قبل احد.

في المحصّلة، قد تصل الى الجيش بعض انواع الاسلحة التي لم يعتد الحصول عليها سابقاً، ولكنها ستصب حتماً في خانة تعزيز قدراته لامساك الوضع الداخلي وضبط الامن، وليس للدفاع عن الحدود، فالجميع يدرك ان ​الجيش اللبناني​ هو، ودون اي مبالغة، من اقوى جيوش المنطقة ان لم يكن الاقوى وهو ما اثبتته الاحداث، وسيثير قلق كل الدول المجاورة للبنان اذا ما توفرت الاسلحة المناسبة لاستعمالها في الدفاع عن الارض، ولن يخوض احد في الخارج غمار هذه التجربة...