لا يمكن اغفال الكثير من الامور والمتغيرات التي رافقت مسيرة اكثر من سنة من عهد الرئيس العماد ميشال عون. قد لا يرى البعض في هذاه التغييرات ناحية ايجابية او تحقيقاً لمطلب او حلم علّق عليه الآمال، وقد يرى البعض الآخر ان جزءاً مهماً من الوعود قد تحقق بالفعل، وان الانتخابات النيابية المقبلة التي باتت على مسافة اقل من شهرين، اضافة الى القانون الانتخابي الجديد والموازنة وغيرها من الامور، خير دليل على ذلك. وبين هذا وذاك، تبقى امور ثابتة لم تتغيّر منذ عقود من الزمن، ومنها وضع سلاح ​حزب الله​، وكيفية الدفاع عن نفسه في وجه المخاطر الداخلية التي تواجهه، والاهم المخاطر الخارجية المحدقة به وفي مقدمها الاطماع الاسرائيلية بثرواته الطبيعية من ارض ومياه، أُضيفَ اليها في الفترة الاخيرة الغاز والنفط. ثوابت الخطر الخارجي اذاً لا تزال نفسها، ولكن المتغيّر في الموضوع هو النظرة الى الاستراتيجية اولاً، واللاعبون الذين بقيت اسماؤهم حاضرة، الا ان مناصبهم ومسؤولياتهم باتت مختلفة تماماً عما كانت عليه سابقاً، ما اثّر على مواقفهم.

بداية، لم يعد على رأس الدولة شخص اسمه ميشال سليمان، بل شخص آخر اسمه ميشال عون. وموقف الاثنين متباعد تماماً حول الاستراتيجية، وقد قدّم عون خطة وضع فيها قراءته الخاصة، وهو ليس بوارد تغييرها ولو بعد عشر سنوات على تقديمها، خصوصاً وان الخطة لاقت في حينه تأييد حزب الله و​حركة امل​ وبعض القوى الاخرى. وعلى خط مواز، لا تزال مواقف الحزب والحركة على حالها من الموضوع، واياً تكن المشاكل الانتخابية والادارية التي تلقي بثقلها على العلاقة بين ​التيار الوطني الحر​ من جهة والثنائي الشيعي من جهة ثانية، فإنها ستسقط حتماً عندما تصل الى مرحلة الجدّ. فلا الحزب في وارد التخلي عن اقوى حليف له في هذه المسألة، ولا الحركة قادرة على تحمّل اي لوم في هذا المجال.

تيار المستقبل​ يعارض الحزب وتدخلاته في الدول المجاورة، ولكنه يرضى بسياسة النأي بالنفس. وبعد العلاقة المتوترة بين رئيس التيار والسعودية، لم يعد "المستقبل" ملزماً بالموافقة العمياء على كل ما يصدر من الرياض في هذا الخصوص، وهو اثبت اكثر من مرة انه ابتعد عن المواقف التصعيدية، ويعمل على ايجاد ارضية مشتركة لمنع اي تدهور على الارض بفعل المواقف السياسية. ولا يُعتقد ان التيار الازرق سيصعّد من حملته، بل هو اقرب، بفعل التغييرات والمعطيات الجديدة، الى الحفاظ على مسافة آمنة من اتهامه بتأييد الحزب وخسارة شعبيته، ومن اتهامه بإشعال الفتنة وخسارة مواقفه وتحالفاته.

التيار الوطني الحر و​القوات اللبنانية​ قد لا يتفقان في هذا الشأن، ولكن القوات لن تتمتع بالتأييد نفسه الذي تمتعت به في العهد السابق. وبالتالي، فإن معارضتها ستكون اقل تأثيراً مما كانت عليه، حتى ولو انضمت اليها ​الكتائب​ وشخصيات اخرى، فيما لن يحيد تيمور جنبلاط عن خطى والده في هذا الموضوع، وسيقف الى جانب تيار "المردة" لتأييد الخطة التي قدّمها عون عام 2008، والقاضية بمواجهة المخاطر الخارجية عبر الاعتماد على قوتين: الاولى من الجيش النظامي، والثانية من المقاومة. واذا كان عدد من البنود المدرجة في الخطة قد تحقق (الشق الداخلي) لناحية مواجهة الارهاب ومكافحته والجرائم، فإن قسماً آخر لا يزال حاضراً ويجدر اضافة خطر جديد اليه يتمثل بقضية النازحين السوريين ناهيك عن مشكلة المخيمات الفلسطينية. وعليه، فإنه من المفرغ منه ان طرح سحب سلاح حزب الله ضمن الاستراتيجية الدفاعية الجديدة لن يبصر النور، هذا في حال تم التوافق على رؤية موحدة للاستراتيجية في المستقبل القريب.

واذا اعتمد البعض على قراءة جديدة لادوار الدول الكبرى في المنطقة بعد الحرب السورية وتداعياتها، فإن هذه القراءة ستبقى غامضة ومبهمة الى ان تتضح الصورة النهائية للتسوية التي ستحصل. فإذا ما تحققت بالفعل، فمن شأنها المساعدة على وضع الاستراتيجية موضع التنفيذ بطريقة منطقية ومقبولة من قبل الجميع، والا فإن "الستاتيكو" الحالي سيبقى على حاله، وستعطى الاستراتيجية حلّة جديدة تحترم ضوابط معيّنة موضوعة بالتفاهم والاتفاق مع الدول الاقليمية والدولية.

ليس الامر بهذه السهولة والبساطة، فالمنطقة تخضع لمراقبة دولية دائمة، وهي عرضة لتحركات سريعة دون استئذان من اي دولة فيها، وذلك يعود لهشاشة وضعف مواقف الدول العربية.

شروط اللعبة تغيّرت ولو بقي اللاعبون، وستبقى الاستراتيجية رهينة التسوية الشاملة في المنطقة.