تستحوذ الزيارة التي يقوم بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة أهمّية خاصة، علمًا أنّها تندرج في إطار سلسلة من اللقاءات العالية المُستوى التي سيعقدها الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ مع قادة خليجيّين على مدى أسابيع، بدأت بلقاء وليّ العهد السعودي في الساعات الماضية، وهي ستشمل الإجتماع إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في 10 نيسان، على أن يستضيف ترامب أيضًا بعد ذلك ولي عهد "أبو ظبي" الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. فما هي خطّة الرئيس الأميركي وإدارته الجديدة للمنطقة، وما هي أبرز الأهداف؟.

بحسب خُلاصة مجموعة واسعة من التحليلات الغربيّة، إنّ إدارة الرئيس الأميركي تعمل على إعادة تركيز الصراع في الشرق الأوسط على مُواجهة ​إيران​، بعد أنّ أسفرت سلسلة من التطوّرات في المنطقة والعالم إلى الإنحراف بعيدًا عن هدف قصّ أجنحة النظام الإيراني الآخذ بالتمدّد والتوسّع. ولتحقيق هذا الأمر، كان على الرئيس الأميركي-بحسب هؤلاء، تغيير بعض أركان إدارته التنفيذيّة(1)، وإختيار "الصُقور" الذين يُؤيّدون التخلّص من الإتفاق بين الدول الخمس الكُبرى زائد 1 وإيران، وإعادة تصنيف طهران ضُمن "محور الشرّ" والتعامل معها على هذا الأساس.

ومع كلّ من وزير الخارجية الجديد ورئيسة وكالة الإستخبارات المركزيّة الأميركيّة الجديدة أيضًا، يأمل الرئيس ترامب إعتماد مُقاربات مُختلفة لأكثر من ملفّ شائك، بدءًا بالأزمة بين ​دول الخليج​، وتحديدًا بين قطر من جهة وعدد من ​دول مجلس التعاون​ الخليجي من جهة أخرى، والتي يرغب بوقف تماديها لتمكين الدول الخليجية من التركيز على صراعهم مع إيران بدلاً من التلهّي بخلافاتهم الداخليّة. كما يأمل ترامب أن يصبّ هذا التغيير في فريق عمله الدبلوماسي الخارجي والأمني الإستخباري، في تأمين الدفع الإيجابي المطلوب في العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الشماليّة وُصولاً إلى تأمين القاعدة الأرضيّة المناسبة لنجاح لقاء القُمّة المرتقب مع الزعيم الكوري الشمالي ​كيم جونغ أون​، حيث يعتبر المُحلّلون أنّ كل التصعيد السابق بين أميركا وكوريا الشماليّة كان يهدف إلى رفع سقف المطالب المُتبادلة، باعتبار أنّ الجميع مُتأكّد من البداية أنّ الحلّ لا يُمكن إلا أن يكون سلميًا، ومبنيًا بشكل أساسي على دعم مالي وإستثماري لإعادة ضبط تصرّفات كوريا الشماليّة.

والأهمّ بالنسبة إلى إدارة الرئيس الأميركي، يتمثّل في عودة واشنطن إلى لعب الدور المركزي في الشرق الأوسط والمنطقة العربيّة، من خلال مجموعة من الدول الحليفة، في طليعتها المملكة العربيّة السُعوديّة، وذلك في محاولة جديدة لوقف تمدّد النُفوذ الإيراني في المنطقة، والذي أخذ أشكالاً عسكرية وأمنيّة واضحة في السنوات القليلة الماضية، بعد أن كان يتركّز في السابق على بعض النفوذ السياسي والديني على جماعات مُحدّدة محصورة في الزمان والمكان. ولا شكّ أنّ ولي العهد السعودي يلتقي مع إدارة الرئيس الأميركي بشأن هدف مُواجهة التوسّع الإيراني، وهو يحضر إلى أميركا من موقع قُوّة مُستفيدًا من التغييرات الإيجابيّة التي أرساها في السُعودية على المستوى الإصلاحي المتعدّد الأوجه، بالتزامن مع تثبيت موقعه القيادي في السُلطة داخل المملكة. ومن المُنتظر أن يقوم الفريق المُرافقلولي العهد السعودي بالعمل على إيجاد مجموعة من الإستثمارات المفيدة لاقتصاد كل من ​السعودية​ وأميركا. أمّا على المُستوى السياسي، فمن المُتوقع أنّ يتمّ التوافق على الخطوط العريضة لخطة عمل جديدة لمُواجهة التمدّد الإيراني تعتمد أكثر من خط للتحرّك، من بينها الأسلوب الحواري حيث سيتم إعطاء فرصة لسُلطان عُمان قابوس بن سعيد للقيام بوساطة مزدوجة الأهداف، حيث أنّها ترمي إلى إعادة اللحمة إلى العلاقات الخليجيّة مع قطر، وإلى إنهاء صفحة الحرب في اليمن أيضًا. كما سيُحاول السُلطان قابوس في المُستقبل القريب القيام بدور إيجابي على مُستوى ملفّ العلاقات الخليجيّة مع إيران، على الرغم من عدم عقد الكثير من الآمال في هذا الصدد. على خطّ مُواز، ومن بين خُطوط التحرك الأميركي – السعودي في المنطقة في المرحلة المُقبلة، رفع الضُغوط السياسيّة والإعلاميّة وحتى الإقتصاديّة ضُد إيران، والعمل على تجريد الإتفاق الذي جرى توقيعه بين إيران والدول الخمس الكُبرى زائد 1 من مضمونه ومن مفاعيله، في حال عدم التمكّن من إلغائه.

في الخلاصة، لا شكّ أنّ الإدارة الأميركيّة الجديدة التي تُعنى بشؤون منطقة الشرق الأوسط تتجه إلى إعتماد السياسة المُتشدّدة التي كانت سائدة قبل توقيع "الإتفاق النووي" في العام 2015، وهي تستعد بالتالي لجولة جديدة من "الكباش" ومن مُحاولات "ليّ الأيدي" مع إيران بدعم من حلفائها الإقليميّين وفي طليعتها السعوديّة، مع كلّ ما يعنيه هذا الأمر من خيارات مفتوحة على كل الإحتمالات تحت سقف الصراعات الإقليميّة بامتداداتها الدَوليّة.

(1) أقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزير خارجيته ريكس تيرلسون، وعيّن مكانه مدير جهاز الإستخبارات ​مايك بومبيو​، ورفع جينا هاسبل من معاونة لرئيس وكالة الإستخبارات المركزيّة الأميركيّة إلى رئيسة للوكالة.