تتناقل مواقع التواصل الاجتماعي منذ فترة اخباراً مجهولة المصدر وغير مبنية على وقائع تفيد بأن هناك عدواناً اسرائيلياً سيحصل على لبنان في غضون أيام، لا بل ان هناك من حدّد هذا العدوان في غضون ساعات، ويذهب البعض إلى التكهن بإمكانية نشوء حرب على لبنان و​سوريا​ تشارك فيه الولايات المتحدة الأميركية إلى جانب ​تل أبيب​ بنية ضرب محور المقاومة وفرملت التقدم الكبير الذي يحرزه ​الجيش السوري​ وحلفاؤه على أكثر من محور على طول سوريا وعرضها.

هل هذه الاستنتاجات والخبريات في محلها، أم ان هناك مبالغة في تقييم الوضع، وهل هناك من يتقصد تسريب مثل هذه الاخبار لخلق حالة من الإرباك والتوتر داخل بيئة المقاومة؟

ما من شك ان المنطقة بكاملها تتقلب على صفيح ساخن، وان ما يقوم به الرئيس الأميركي ترامب من تغييرات داخل ادارته والتي كان من أبرزها أقالة وزير الخارجية الذي كان يقوم بجولة افريقية وتعيين رجل مكانه يعرف عنه بأن يجنح دائماً إلى الحرب لحل المشاكل، لا بل انه يجزم بأن الميدان وحده يحقق المكاسب على عكس الدبلوماسية التي لطالما تسعى إلى تجنّب المواجهات والركون إلى لغة الحوار، غير ان كل ذلك لا يعني ان طبول الحرب بدأت تقرع وان ما يقوم به الرئيس ترامب هو خطوة أولى وضرورة لخوض غمار الحرب في المنطقة، فالمراقب لمسار الأمور لا يرى في الأفق حرباً واسعة في المنطقة، وإن كانت التطورات الميدانية التي تحصل تشي بإمكانية اقدام ​إسرائيل​ أو ​واشنطن​ على عمل عسكري ما بغية إعادة خلط الأوراق والحد من الاندفاع باتجاه حسم المعركة في سوريا لصالح النظام، لكن أي خطوة من هذا النوع لا يمكن ان تحصل من دون دفع الأثمان، والسؤال الذي يطرح نفسه هل سيكون باستطاعة تل أبيب تحمل وزر قيامها بأي عمل عسكري ضد المقاومة أو في سوريا في ظل ترسانة من الصواريخ غير العادية المصوبة في اتجاه بنك من الأهداف الرئيسية على مساحة ​فلسطين المحتلة​.

الجواب على هذا السؤال واضح ولا لبس فيه، ان إسرائيل في ظل الوضع الراهن والمتغيرات التي حصلت ان في سوريا و​العراق​ وما هو قائم في لبنان لن تقدم على أي خطوة لا تحقق لها الانتصار السريع والجذري، وهذا الأمر غير موجود في قاموس المحللين السياسيين والعسكريين في إسرائيل، لا بل ان هؤلاء لا يشجعون على القيام بأية مغامرة عسكرية غير محسوبة النتائج المسبقة، ويزيدون على ذلك بتحذيرهم ​المؤسسة العسكرية​ من القيام بأي عدوان من شأنه ان يجعل كل منطقة في إسرائيل هدفاً للصواريخ، ناهيك عن المخاوف من إمكانية حصول خروقات ميدانية على الحدود الشمالية، حيث ان هناك خوفاً حقيقياً من إمكانية قيام «​حزب الله​» باجتياح بعض المستوطنات الواقعة شمالي إسرائيل واحتلالها، وهو ما تعتبره إسرائيل إن حصل بأنه الضربة القاضية للجيش الذي يعتبر نفسه المتفوق الأوّل عسكريا في المنطقة.

وإذ تؤكد مصادر متابعة بأن محور المقاومة لا يسقط من حساباته حصول حرب أميركية- إسرائيلية في أي وقت ويتعامل مع هذه النظرية بكل جدية وواقعية على المستويين الميداني واللوجستي، فإن هذا المحور في الوقت ذاته يرى ان حصول مثل هكذا أمر يعني الجنون بعينه، إذ ان أي حرب لن تكون محصورة في مكان معين وبين أفرقاء محددين بل هي ستتدحرج لتشمل المنطقة بكاملها، مذكرة بما كان قاله السيّد ​حسن نصر الله​ الأمين العام لحزب الله منذ مُـدّة من ان هناك المئات بل الآلاف من المقاتلين سيأتون من أماكن مختلفة على مساحة العالمين العربي والإسلامي ليكونوا شركاء في المعركة، وليس من المعلوم ان يبقى القتال- لبنانياً- اسرائيلياً، أو سورياً- اسرائيلياً.

وتقول المصادر ذاتها صحيح ان المنطقة هي الآن في مرحلة مختلفة عن المراحل السابقة، وما يجري يُشكّل مفصلاً صعباً فيه الكثير من الاخطار، إلا ان ذلك لا يعني ان طبول الحرب الكبرى بدأت تقرع، فهناك حسابات دولية واقليمية لا يُمكن لأي طرف تجاهلها، حيث ان دولاً عدّة في المنطقة لا تحبذ اندلاع حرب، وقد عبّر عن ذلك بوضوح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي اتصل منذ فترة بالرئيس الروسي مؤكداً له انحيازه إلى جانب الحوار بدلاً من المنازلة في الميدان، وهذا الموقف الفرنسي حتماً سيكون له وقعه خلال أي تفكير بشن حرب، كون ان باريس تعتبر شريكاً اساسياً لا يُمكن تجاهله في أي خطوة ان تحصل في المنطقة.

وفي تقدير المصادر ان الحديث عن اندلاع حروب وتحديد مواعيد لاعتداءات وشن عدوان لا يخرج عن سياق الحرب النفسية التي لجأت إليها واشنطن وتل أبيب في الآونة الأخيرة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام لخلق واقع من الإرباك ومحاولة التعويض عن عدم القدرة على شن حرب حقيقية راهناً بشن حروب افتراضية لا مكان لها على أرض الواقع.

وتعتبر هذه المصادر ان مجرّد التفكير بشن حرب في المنطقة في الوقت الراهن هو جنون، سيما وأن ​روسيا​ ومعها إيران لن تقفا مكتوفتي الأيدي حيال أي عمل من شأنه ان يغير من الخارطة التي بدأت ترسم نتيجة المتغيّرات الميدانية التي طرأت على واقع ​الأزمة السورية​، وبالتالي فإن القنوات الدبلوماسية لم تقفل بالكامل، بين الدول المعنية، وما زال هناك متسع من الوقت قبل الجنوح في أخذ خيار الحرب التي حتماً لن يكون لها من أفق واضح وهي إن حصلت ستكون بالتأكيد تدميرية على الجميع.