عندما سئل رئيس حزب "​القوات اللبنانية​" ​سمير جعجع​ عن احتمال "التحالف الانتخابي" مع رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، يوم التقيا للمرّة الأخيرة في حزيران الماضي على مائدة "السحور الرمضاني"، أجاب بصورة عفوية ومن دون تردّد: "إذا بيقعد عاقل نعم"...

مرّت أشهر على هذه الواقعة، لتتمخّض المفاوضات الانتخابية الماراثونية بين الجانبين عن "طلاق حبي"، إن جاز التعبير، بين "القوات" و"​تيار المستقبل​"، يخرقه تحالف "خجول" محصور في دائرتين ثانويتين، هما بعلبك-الهرمل وعكار، في ما يمكن تسميته بتفاهم "رفع العتب" ليس إلا.

إزاء ذلك، يصبح التساؤل مشروعاً، انطلاقاً من كلام "الحكيم" السابق الذكر، فبينه وبين الحريري، من هو الذي "لم يقعد عاقل"؟ وما الذي تعنيه "شبه القطيعة" الانتخابية بين الجانبين؟ وأيّ انعكاساتٍ ستفرزها في السياسة؟!.

"طلاق حبي"؟!

هو "طلاق حبي" بين "القوات" و"المستقبل" انتهت إليه المفاوضات "الماراثونية" التي دارت بين الجانبين منذ أسابيع، والتي بالغ الوسطاء على خطّها، وفي مقدّمهم وزير الإعلام ​ملحم الرياشي​ ووزير الثقافة ​غطاس خوري​، في "التفاؤل" بنتائجها.

في دائرتين ثانويتين فقط، هما بعلبك-الهرمل وعكار، سيتحالف الجانبان بشكل مباشر، إضافة إلى تحالفهما غير المباشر في الشوف عاليه، الذي يحظى برعاية "​الحزب التقدمي الاشتراكي​". إن كان ذلك يدلّ على شيء، فهو على أنّ ما اتفق عليه "المستقبل" و"القوات" لا يعدو كونه تفاهم "الحدّ الأدنى"، تفاهمٌ أرادا من خلاله عدم تكريس "القطيعة الكاملة" بينهما، وإبقاء "شعرة معاوية" ليس إلا، حفظاً لخطّ الرجعة، إن كان من "خط رجعة".

لا شكّ أنّ كلاً من "القوات" و"المستقبل" يرمي بكرة المسؤولية على الفريق الآخر في وصول النتائج إلى ما وصلت إليه، بعيداً عن حجّة الحسابات الانتخابية المعقّدة التي تفرضها طبيعة القانون النسبي وبدعة صوته التفضيلي. "المستقبليون" يعتبرون ما حصل نتيجة طبيعيّة للاحتقان السائد على خط العلاقات بين الجانبين، التي وتّرتها الاستقالة الغامضة الشهيرة لـ"الشيخ سعد"، وما أفرزته من ردود أفعال وصلت إلى "بحصةٍ" فعلت فعلها بقوّة، ولو "لم يبقّها" رئيس الحكومة.

وإذا كان خير دليلٍ على ذلك أنّ اللقاء المنتظر بين جعجع والحريري لم يحصل منذ عودة الأخير إلى لبنان، رغم كلّ ما أثير عن تمهيدٍ له، فإنّ "القوات" من جهتها تعتبر أنّ الحريري هو الذي أوصل الأمور إلى هنا. مع عودة الرجل، حاول "الحكيم" إعادة الخطوط معه إلى ما كانت عليه في السابق، فرحّب بتريّثه وعودته عن الاستقالة، التي كان جعجع اعتبرها نهائية، بل اعتبر أنّ "القوات" تؤيّده في كلّ ما ذهب إليه، فإذا بسهام التشكيك، بل التخوين، تحاصره من كلّ حدبٍ وصوب، بما أوحى بأنّ هناك من يحرّض الحريري ضدّه.

"الحق عالتيّار"...

أمام التوتر السياسي بين "القوات" و"المستقبل"، كان من الطبيعي أن يصطدم الاتفاق الانتخابي بينهما بالمعوّقات، على الرغم من حديث الجانبين، على امتداد المفاوضات، عن انفتاحٍ وما شابه ذلك. ولعلّ ما أثير عن دخول ​السعودية​ على خط المفاوضات الانتخابية، ولو تُرجِم في تكثيف الاتصالات واللقاءات الثنائية بينهما من الدرجة الثانية، لم يقرّب المسافات، بقدر ما زاد في تباعدها بشكلٍ أو بآخر.

عموماً، ما يحزّ في نفس "القواتيين" أكثر من كلّ ما سبق أنّ "المستقبل" لم يترك حليفه السابق وحيداً فقط في مناطق ثقله الأساسيّة، من بيروت الأولى وزحلة وصولاً إلى الدائرة الأدقّ، دائرة الشمال الثالثة، فحسب، بل تموضع إلى جانب "خصمه" الأساسي في هذه الدوائر، أي "​التيار الوطني الحر​". ولا يشكّ أحد بأنّ "المرارة" الأكبر ستتمثّل في تصويت "المستقبل" في هذه الدائرة إلى جانب وزير الخارجية ​جبران باسيل​، في مواجهة جعجع، ممثلاً بعقيلته النائب ​ستريدا جعجع​، على اعتبار أنّ الاثنين، ولو انتميا لدوائر صغرى مختلفة، موجودان في لوائح متواجهة على مستوى الدائرة الكبرى، ولذلك دلالاته، في ضوء ما يُحكى عن "بروفا معركة رئاسية" ستشهدها هذه الدائرة.

وانطلاقاً من هذه الزاوية، يعتبر البعض أنّ "غير العاقل" وسط هذه "المعمعة" لم يكن لا "تيار المستقبل" ولا "القوات اللبنانية" بقدر ما كان دخول "التيار الوطني الحر" على الخطّ بينهما. فـ"التيار"، الذي كانت "القوات" أول من انفتحت عليه إبان انتخابات ​رئاسة الجمهورية​، يوم تبنّت ترشيح مؤسسه العماد ​ميشال عون​ إلى رئاسة الجمهورية، وأقنعت "المستقبل" بالانضمام إليها، بما ساهم في انتخاب الأخير، عرف كيف يبني الخطوط مع "تيار المستقبل"، بمعزلٍ عن "القوات"، التي كانت تمنّي النفس أصلاً بتحالف ثلاثي "كاسح" يجمعها بـ"المستقبل" و"الوطني الحر" دفعةً واحدةً، وهو ما بدا حلماً "مستحيلاً" غير قابل للتحقّق في هذه الانتخابات.

صحيحٌ أنّ "القواتيين" يقولون إنّ ما يؤمّنه "التيار" لـ"المستقبل" انتخابياً كان بقدرتها أن تؤمّنه له فيما لو تحالف معها، إلا أنّ ثمّة قناعة راسخة أنّ التفاهم بين "التيار" و"المستقبل"، والذي بدأ مع تشكيل الحكومة "الحريرية"، يتخطى الانتخابات وأبعادها، ويصل إلى "الشراكة الكاملة" في "العهد القوي"، وهنا بيت القصيد. وهناك من يجزم، على هذا الصعيد، بأنّ "التيار" قدّم لحليفه الجديد "ضمانات" لا تستطيع "القوات" تقديمها، وعلى رأسها البقاء في ​رئاسة الحكومة​، مهما كانت نتائج الانتخابات النيابية، التي لا يزال الحريري يخشاها، رغم كلّ ما يحكى عن التحسّن الكبير الذي طرأ على واقعه الشعبي خلال الأشهر الأخيرة.

"ما حدا عاقل"!

في السياسة، لا شكّ أنّ ما حصل بين "القوات" و"المستقبل" أكبر من "طلاق حبي"، ولو حرص الجانبان على عدم إعطاء الأمور هذا البعد "الصدامي"، احتراماً لتاريخ طويل من التحالف، قد تكون الأجواء متوافرة لعودته بعد الانتخابات.

لكن، وبالعودة إلى أصل الحكاية، والشرط الذي وضعه "الحكيم" قبل أشهر للتحالف مع الحريري، فإنّ "القواتيين" لا شكّ يعتبرون أنّ الحريري "ما قعد عاقل" بعدما فضّل خصمهم عليهم، إلا أنّ الحقّ يُقال، إنّ أحداً لم "يقعد عاقل" في المسار نحو الانتخابات النيابية، انتخابات خُلطت فيها كلّ أوراق التحالفات، بشكلٍ لم يعد اللبناني نفسه قادراً على استيعاب ما يحصل، لتبقى "العبرة" في "الخواتيم" في السادس من أيار المقبل...