دخل يسوع مَلِكاً إلى أورشليم يوم ​الشعانين​، ولكنّه لم يَدخُل إلى القصر الملكيّ ليحكم من هناك كما يفعل سائر الملوك، بل إلى الهيكل ليُطهّرَه: "بيتي بيتَ صلاةٍ يُدعى وأنتم جعلتموه مغارةً للصوص"(متى2113).

استقبله الناس البُسطاء في شوارع أورشليم(متى21: 8) على ما ينقله ​الإنجيل​، لا ملوك الشعب ورؤساؤه، بل الصغار الذين تاقوا إلى مُخلِّصٍ يُخلّص، ومَلِكٍ يرعى شعبه بعصا الإستقامة والعدل. هتفت الجموع كُلُّها، من صغيرها إلى كبيرها، للملك المُخلّص الآتي:"هوشعنا، مباركٌ الآتي باسم الربّ"، فارتجّت أورشليم كلّها(مت21: 10-11).

"هوشعنا"، هذا الهُتاف هو هُتاف الأشخاص المتضرّعين. تضرّع إبراهيم إلى الله فاستجابه ونجّى لوطاً وبنيه من الهلاك في سَدوم(تك18: 22-33). تضرّع موسى إلى الله فغفرَ خطيئة الشعب الذي خانه وعبدَ آلهةً أُخرى(عدد1417-19). تضرّع الأبرص(مر1: 35-43)، والنازفة ويائيرُس(لو8: 40-56)، والرجالُ الأربعة(مر2: 1-12)، والأعمى(مر10: 46-52)، إلى يسوع فشفوا جميعاً. واليوم، هو الشعب يتضرّع، لا الأطفال وحسب، بل كلّ "الصغار" الذين وجدوا في الإيمان كَيان الطفولة الحقيقي، الذي يقود الإنسان إلى ملكوت السماوات(متى3: 18).

صَرخ الجميع "هوشعنا"، أي ساعدنا وحرّرنا وخلّصنا؛ فالصغار بحاجةٍ إلى المُساعدة، مُساعدة الأب القادر وحده على الإهتمام بأبنائه وحمايتهم من الجور والإستعباد والإستغلال المُمارس عليهم من قِبَل سُلُطاتٍ جائرة وأيديولوجيات ديكتاتورية وسياسات قاهرة لا تُقيم وزناً للإنسان. وهذا الأب-الله القادر على حمايتهم يستحقّ منهم كلَّ الشكر، لذلك استقبلوه ب "هوشعنا"، فالهوشعنا تعني أيضاً التهليل والإبتهاج والشكر.

وهذا الآتي مُباركٌ، لأنّه لا يأتي باسمه بل بإسم الربّ، ولطالما عبّر يسوع عن هذه الحقيقة بقوله:" أنا لا أتي من تلقاء ذاتي، بل أبي هو الذي أرسلني"(يو8: 42)، يأتي حاملاً خلاص الله للصغار.

استُعملت عبارة "مباركٌ الآتي باسم الربّ"، المأخوذة من المزمور 118، للترحيب بالحجّاج الآتين لزيارة هيكل أورشليم، وكان الكهنة هُم الذين يتوجّهون إليهم بهذا التبريك لدى دخولهم الهيكل. وها هي الآن تتحوَّل إلى مَديحٍ ليسوع، الذي هو ​المسيح​ الملك الآتي باسم الربّ ليُحقّق مُلك الربّ القائم على المحبّة والأخوّة والعدالة والسلام.

أمام يسوع ارتجّت المدينة كلّها(متى2110). هناك وجه شبه بين ارتجاج المدينة يوم ولادة يسوع وارتجاجها يوم دخوله إليها يوم الشعانين. فيوم ولادته أتى المجوس إلى أورشليم بحثاً عن الملك المولود، "فاضطرب هيرودوس واضطربت معه كُلُّ أورشليم"(مت23)، ويوم الشعانين حدث الأمر نفسه. يُشير الإنجيلي إلى هذا الأمر بقولِه: "ولمّا دخل يسوع إلى أورشليم، اهتزّت المدينةُ كُلُّها قائلةً:" مَن هو هذا؟"(متى2110).

يستعمل الإنجيلي متى عبارة "اضطرب" ليُشير إلى الإرتجاج الناتج عن هزّة أرضيّة. إنَّ وقع دخولِ يسوع إلى أورشليم لَه وقع الهزّة الأرضية التي تُدمّرُ كُلَّ شيء ليُعاد بناؤه من جديد. يُدَمّرُ يسوع جُدران العداوة القائم بين الإنسان والله، والإنسان وأخيه الإنسان، ويبني مكانها جسور محبّة وتلاقي.

هوذا الآتي باسم الربّ يزورُنا، يدخل أحياءنا وبيوتنا، فلنستقبِله، لا استقبالاً خارجيّاً وحسب، بل فلنسمح له بالدخول إلى حياتنا وترميمها من الدّاخل، وتصحيح الخَلل الذي أَحدثته الخطيئة في نفوسنا ومُعالجته بالمحبّة، فنتبرّر من جديد ونسير وراءه في الطريق المؤدي إلى القيامة والحياة.

هوشعنا، مُباركٌ أنتَ يا ربّ ومُبارَكٌ دخولُك إلى أورشليم، حامل السلام والخلاص. مع كلّ الذين استقبلوك، سنهتف أبداً قائلين:" هوشعنا، يا مُخلّص، خَلّص". آمين.