يحار المواطن اللبناني هذه الايام في تقدير المرحلة المقبلة، ليس بسبب كثرة المرشحين الى الانتخابات والقانون الجديد الذي ادخل حيوية معيّنة الى الاستحقاق الدستوري، بل بسبب امر آخر لا يقل اهمية وهو الوضع الاقتصادي والمالي.

يتوجس المرء شراً من عنصرين اساسيين لحياته، وهما الوضع الامني والوضع الاقتصادي والمالي، ففي الاول موت سريع وفي الثاني موت بطيء ومعاناة. وفيما تخطى لبنان الخطر الامني عن جدارة بفضل المعدن الحقيقي الذي اظهره الجيش اللبناني و​القوى الامنية​، لاح في الافق منذ فترة شبح الخطر الاقتصادي والمالي، وبالتحديد عقب احتجاز رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ في السعودية. لا يستعبد الكثيرون ان يكون لبنان امام تحدٍّ جديد يأخذ الطابع المالي بعد ان كان بصورة امنية وعسكرية، وانه تم وضعه على موجة بحر اقتصادية تأخذه الى شاطىء الامان حيناً وتبعده عنه احياناً، فكثر الحديث عن "محاصرة" اقتصادية للبنان لن يتمكن من الخروج منها، وعن ارتفاع للدولار على العملة الوطنية بشكل مضاعف مع كل ما يحمله ذلك من تأثيرات سلبية على المواطن وطريقة عيشه، وعلى وضع الشركات والمصارف وبالتالي ​الدولة اللبنانية​ ككل. ولا يمكن الاستخفاف بهذا الخطر، اذا كان حقيقياً، لان تداعياته كبيرة وكبيرة جداً، وبالتالي يجب دق ناقوس الخطر والتحرك بالسرعة المطلوبة قبل انهيار الهيكل على رؤوسنا جميعاً.

ولكن، ماذا لو لم يكن الخطر آنياً، وان الصرخة هي بمثابة تحذير لما يمكن ان يحصل، كما صدر عن رئيس مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية عندما اوضح الكلام الذي نسبهالبطريرك الماروني ​مار بشارة بطرس الراعي​ لرئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​. ولكن الاصرار على التركيز عن افلاس البلد بالقوة، يوجب طرح بعض الاسئلة ومنها:

-تأتي موجة التحذير من الانهيار المأساوي، بعد ايام قليلة على اقرار ​الموازنة​ للعام الحالي في ​مجلس الوزراء​، وفيما تدرسها ​لجنة المال والموازنة​ قبل ان يدرسها ​مجلس النواب​ لاقرارها. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل كل المسؤولين الرسميين في الدولة المعنيون بالوضع الاقتصادي والمالي مشاركون في التعتيم على الكارثة التي تنتظرنا، ام انهم يتجاهلونها بحيث انهم يكتفون بدرس الموازنة دون اتخاذ خطوات حاسمة من اجل تفادي المصير المجهول، فما نفع الموازنة اذا انهارت المؤسسات والشركات والدولة، واين سيكون "الانجاز" المتمثل بالشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي عوّل عليه المسؤولون؟.

-لماذا لم يتحرك حاكم ​مصرف لبنان​ بشكل فاعل واساسي لاتخاذ اجراءات مع المصارف تعكس حجم ما يقال عن الكارثة الاقتصادية، فيتمّ تحديد قيمة السحب من الودائع او التعامل ب​الدولار​ كونه سيخفف احتياطي المصرف من العملات الاجنبية، ولماذا يطمئن الحاكم في كل مناسبة الى متانة لبنان على الصعيدين الاقتصادي والمالي؟.

-ماذا سيفعل ممثلو دول العالم في مؤتمر "سيدر" الفرنسي الذي سيعقد بعد ايام قليلة اذا كان لبنان محكوما بانهيار وافلاس؟ فهل من بلد او مؤسسة تدعم بلداً على شفير الهاوية والافلاس، دون ان تضع عليه شروطاً قاسية تتراوح بين السياسة والاقتصاد؟ واذا كان الوضع على هذا النحو، فما الذي اوجب درس مجلس الوزراء لساعات طويلة موضوع هذا المؤتمر وكيفية توزيع المبالغ التي ستؤمَّن من خلاله على المناطق والمشاريع؟ فبدل السجالات، كان الوزراء محكومون بالموافقة على الشروط دون المقدرة على تغيير حرف او نقطة والا سيتحملون مسؤولية ما سيحصل بعدها.

-هل الحديث عن ضخ اموال طائلة في ​الحملات الانتخابية​ ومن اجل الاستحقاق الانتخابي، مع كل الاعلانات والحفلات ومهرجانات اطلاق اللوائح تشير الى ان لبنان منهار بالفعل؟ او ان الاحزاب والشركات والمؤسسات معفية من الانهيار، والمواطن فقط هو من سينهار؟.

قد لا يكون لبنان في حال اقتصادية مثالية او مريحة، ولكن من الظلم دفع الناس الى اليأس منذ الآن والقول لهم بأن الانهيار والافلاس يدقّان الابواب وباتا منتشرين في البلد، فليكن التحرك بموضوعية ووعي وعدم افلاس لبنان بالقوة، من اجل الوطن والمواطن.