لفت رئيس جامعة الروح ​القدس​ - ​الكسليك​ ​جورج حبيقة​ خلال اقامة الجامعة بالتعاون مع لجنة إحياء "يوم الأبجدية" احتفالا بمناسبة "يوم الأبجدية" إلى أنه "بهدف التعبير معا عن حضارتنا الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، والتي، بفضل الحرف الذي أطلقته وصدرته للعالم، قدمت للانسانية مادة الكتابة ترسخ بها وجودها، وتضمن صمودها على الزمن، فتملأ بطون ​الكتب​ حكمة وعلما وتاريخا ومعرفة، وتخلد، وتعيش في الذاكرة، بعد أن حمت ديمومتها من السقوط في النسيان عن طريق حضارة كلامية متنقلة بالتواتر او بالأحادية. إن الإنجاز العظيم الذي حققه أجدادنا ​الفينيقيون​ إنما يقوم على تحويل اللفظ الشفوي إلى كلمة مركبة من رموز لفظية صامتة تتحول إلى لفظ مقروء. بهذا الابتكار، أصبحت الكتابة ذاكرة البشرية. مع هذه النقلة النوعية في التدوين، تحررت اللقاءات البشرية من المساحة الجغرافية المشتركة، وبات التواصل عن بعد على متن الكلمة المكتوبة. ولا نغالي البتة إن ذهبنا في القول إلى الجزم بأن الفينيقيين هم من أسسوا العولمة وأسقطوا التقوقع والتشرنق في الثقافات الخانقة والأوطان المغلقة والحضارات المعتقلة ضمن أسوار الخوف والرفض وانقباض الذات. بالحرف والترحال الدائم، أسقطوا المسافات بين البشر وأطلقوا عنصرة التلاقي والتلاقح والتكامل في تآلف الاختلاف".

أضاف: "ليس سرا أن نبوح بأن الفضل في إحياء يوم الأبجدية، المقرر بالقانون رقم 186/2011 والمعدل بالقانون رقم 215/2012، يعود لسعادة النائب ​نعمة الله أبي نصر​، رئيس ومؤسس لجنة إحياء يوم الأبجدية؛ وقد تميز هذا الفارس المقدام في السعي الحثيث والعنيد إلى إظهار الحق بدون كلل أو ملل... واستل نعمة الله أبي نصر من الـ 365 يوما في السنة، يوما جعله بمثابة محطة نتوقف عندها جميعنا بوعي وتفهم ومقدرة على الاقتناع والإقناع أن وطننا ليس صدفة تاريخية، وأن أجدادنا ليسوا فقط كما يصورهم بعض المؤرخين تجارا واستغلاليين يتنقلون هنا وهناك بحثا عن موانئ البيع والاتجار..."

وأكد حبيقة "أن "يوم الأبجدية" يشكل، بالنسبة لنا، يقظة نستدرك فيها هوية ثقافية تعبر بنا من العقل المتوسطي، والعربي إلى العقل الكوني، من غير حواجز، وتزكي فينا قومية ​لبنان​ية عبثا تذويبها في أي قومية أخرى تفرغها من كثافتها الأنطولوجية. وفيما نحن في زمن التحضير للإحتفال بالمئوية الأولى لولادة لبنان الكبير، يلهمنا "يوم الأبجدية" بـ"رسولية" لبنان، لنستعيد شيئا من قيامة الذاكرة، حينئذ قد نفهم معنى أن نكون من لبنان الكوني؛ إن "يوم الأبجدية"، لهو تكريس لإيماننا بلبنان العصي على الحت الزمني، الذي يتألق خريفه أبدا من نور العصور العاجزة عن أن تلوي من إرادة تحدت الأعاصير، إيمانا منها أن لبنان وطن سكبته أحلام الآلهة، صنعه نفس المتقين الزاهدين، وجبله التراب و​الأرز​ بدم الشهادة وعطر النسك....

وقال: "انني أدعوكم في "يوم الأبجدية" إلى العب من نبوءة لبنان وقد أضحت منهلا لكل شغوف وولهان بعظمة إرثه الثقافي العابر للحدود والقائم في كل مكان...."

وتابع: "وإن، على حد قول الراحل الكبير ​سعيد عقل​، "تتركت أنطاكية [مع الزمن]، وتبدت صيدون ودمشق، وتصهينت القدس، الا ان لبنان[الأبجدية] ما انفك على الزمن يحتضن [إرثها النير] بحرص [...]، هذا الإرث الذي كون لبنان وذاتيته وثراءه العقلي، وحده بأنه ما وراء تخوم ونطق وعرق ووحدة، أي تاريخ كان".

وختم مؤكدا "إن "يوم الأبجدية" لا يقتصر على احتفال أو على معرض لوحة اجتماعية نهنئ من خلالها بعضنا بعضا بمثل هذه الذكرى، إن "يوم الأبجدية" يدعو اللبنانيين خصوصا والمشرقيين عموما، لاستعادة شيء من هوية تآكلت وذابت في جنسيات مغايرة، فيكسر انسان الشرق الجديد في مثل هذا اليوم قمقما حشرت فيه عشيرته، فيتذكر أن ​المرأة​ الشرقية هي "إليسا" [...] وأن "أفقا"، هيكل الصلاة والمناجاة، هي ملتقى "ندوة الحكماء"، فيتعلم أغنية برتنيس (Parthénis) لابنها فيتاغورس الفيلسوف وعالم الرياضيات والموسيقي والمتصوف في القرن السادس قبل المسيح: "لبناني أنت يا بني، لبناني"، ويبني الحرية نهجا، والتغيير مفهوما، فيمعن في تعزيز ذات تمتنع على العاديين من الناس... هذه مجرد دعوة لصحوة ويقظة ضمير تثري الحاضر وتستشرف المستقبل".