لم يكن تعيين ​جون بولتون​ مستشاراً للأمن القومي الأميركي عادياً بالنسبة الى ال​إسرائيل​يين. وصفوا خطوة الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ بالبشرى الطيبة لتل أبيب. بولتون صديق كبير عتيق لإسرائيل. فهل يعوّلون على شحن جون بولتون للإدارة الأميركية من أجل شن حرب على ​إيران​؟ قد يرى المراقبون ذلك، لكن، هل يحتاج ترامب لشحن بولتون له أساساً؟ .

في مؤتمر صحيفة "يديعوت احرونوت" العبرية في القدس، روى وزير الدفاع الاسرائيلي الاسبق شاؤول موفاز حديثاً اجراه مع بولتون في الماضي. "لماذا لا تهاجمون ايران؟". سأل بولتون، فإضطر موفاز للشرح.

ينطلق الاسرائيليون من ذاك السؤال وتلك الواقعة للحديث عن المرحلة الأميركية المقبلة في ضوء تعيين بولتون. تقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" في افتتاحيتها: هناك مجموعة صغيرة نسبيا من الاميركيين ممن يهتمون بالسياسة الخارجية، بولتون يتماثل مع المحافظين الجدد، عصبة من المفكرين الجمهوريين التي تروج للتدخل الفاعل لاميركا في العالم، بما في ذلك الحروب الوقائية والاعمال العسكرية. جيل المؤسسين لها اجتاز الخطوط من اليسار الى اليمين في اثناء حرب فيتنام. في فترة ولاية الرئيس جورج بوش الابن ونائبه، ديك تشيني، وصلت الى ذروة تأثيرها. فقد وفرت لبوش المبررات للاجتياح المحمّل بالمصيبة للعراق. معظم اعضائها البارزين يهود يتعاطفون مع اسرائيل، بينهم بيل كريستول، جون فودهوتس، روبرت كاغان واليوت ارامز. وفي احيان قريبة يشوّش بينهم وبين اللوبي اليهودي. ويتهمون اسرائيل بالتورط الاميركي في ​العراق​.

تتوسع الصحافة العبرية في الشرح والتوصيف، لتقديم أجوبة شافية عن مرحلة أميركية مقبلة، تركّز فيها على الشرق الأوسط، من دون استحضار الأزمات المفتوحة مع الروس، والمخفية مع الصينيين. ربما، لأن الساحة الشرق أوسطية هي المختبر الفعلي العملي الآن للنزاع الدولي.

المهم بالنسبة للاسرائيليين ما يعنيهم، وما هو مرتقب للمنطقة. تركيزهم على جون بولتون أنه ليس يهوديا. "وهو اقل ذكاء من زملائه في معسكر المحافظين الجدد واكثر فظاظة بكثير. وعندما تولى منصباً في عهد بوش الابن، قيل عنه انه الدبلوماسي الاقل دبلوماسية في التاريخ الدبلوماسي الاميركي".

ينطلق هذا التوصيف الاسرائيلي لبولتون مستنداً الى حقيقة ان لكل مشكلة برزت أمامه، كان له حل واحد: الشروع في عمل عسكري. هكذا في العراق، في كوبا، في كوريا الشمالية، في ايران. هو احد القلائل في الولايات المتحدة الذين لا يزالون يؤمنون بان الاجتياح العراقي كان صحيحا مبررا.

يقول الاسرائيليون ان الاخفاقات في افغانستان وفي العراق عززت قوة الانعزاليين وابعدت عن الساحة المحافظين الجدد. ستيف بانون، المروّج للانعزالية، وقف في مواجهة بيل كريستول، المروّج للتدخل، وانتصر. بانون حفّز ترامب على السباق، اما كريستول فاختار هيلاري كلينتون.

كل ذلك، يعني ان ترامب زاد من حدة تطرفه تجاه سبل المعالجة، لكن الرئيس الاميركي أمضى حتى الآن سنة ونصف منذ ترؤسه الادارة وهو يستبدل مسؤولين عنده. هذا يعبّر عن شخصية ترامب بالدرجة الأولى، أكثر مما يشير الى طبيعة المرحلة الآتية. لكن شخصية المسؤولين سترخي بظلالها على أسلوب المقاربة الأميركية للملفات التي سيديرونها. يرى الاسرائيليون هنا أن التعيينين الاخيرين، لمايك بومبيو وزيرا للخارجية وجون بولتون مستشارا للامن القومي يشهدان، ظاهرا على تغيير للخط. مسؤولان كبيران براغماتيان نُحّيا. ليعود المحافظون الجدد للسيطرة على السياسة الخارجية، وبقوة. بومبيو وبولتون سيقودان الولايات المتحدة الى حرب ضد ايران.

هذا الاستنتاج المبدئي، لكن في التفسير سيناريوهات اسرائيلية أخرى، تنطلق من ثابتة أن لا شيء مؤكداً عند الحديث عن ترامب. ربما يعتقد الرئيس الأميركي أنه يهوّل على الإيرانيين، لفرض تعديلات على ​الاتفاق النووي​. "ليس مؤكدا أن شيئا ما سيتغير في الاتفاق. ترامب سيلقي خطاباً. والايرانيون، بالتشاور مع الاوروبيين، سيجدون طرقا لمواصلة تطبيق الاتفاق دون أن يتضرروا.

المحصلة بالنسبة لتل ابيب، كما عكستها الصحافة العبرية، تقوم على اساس: يصعب التصديق بأن الاميركيين الذين يحرّضون اسرائيل على فتح الحروب، سيخوضون الحروب. "الاميركيون مع الاصبع الرشيق على زناد الاخرين يحبوننا حقا، وحتى لو كانوا كذلك، فانه محبتهم خانقة". هذا ما يستنتجه الاسرائيليون للتأكيد على عدم التعويل على واشنطن في أي حرب. فالولايات المتحدة الأميركية لن تخوض الحرب ضد طهران، وانما تهدف لتحسين الشروط.