لم يعد خفياً على احد ان ازمة ​الكهرباء​ في ​لبنان​ غير مرتبطة بمشاكل تقنية وادارية فقط، بل بات واضحاً ان الكباش بين الدولة واصحاب المولدات ينتهي دائماً بخسارة الاولى، ليس بسبب قلة الامكانات للمواجهة، بل بسبب الضعف الداخلي الذي تعاني منه امام اصحاب المولدات الذين، على ما يبدو، عرفوا من "اين تؤكل الكتف" وقاموا بواجباتهم في هذا المجال بشكل كامل.

تعلو الاصوات حيناً وتتوجه بالوعيد احياناً، لكنها سرعان ما تخفت وتذهب مع الريح، ويبقى اصحاب المولدات يتحكمون بمصير المواطن ويملكون مفتاح تزويده بالطاقة التي يحتاج اليها في كل دقيقة من حياته. اتخذت المشكلة منحى جديداً مع تولي رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ هذا الملف، ولكن لا يبدو انه قادر حتى الآن على ذلك رغم كل ما يملك من شعبية ومن كتلة نيابية عارمة ومن وزن وزاري في ​الحكومة​ ومن تحالفات من مختلف الطوائف والاحزاب، حتى انه هدد بالتوجه الى المواطنين مباشرة ليقول كل ما يملكه من معطيات حول ملف الكهرباء ومن يقف امام عدم تزويد المواطنين بها، من دون تدخل طرف ثالث متمثل بالمولدات.

مؤلم هذا الوضع، ولكن للاسف، لا يبدو ان ​الضوء​ سيظهر من هذا النفق المظلم، لانه من بين الاسباب كلها المعروفة وغير المعروفة، هناك سبب اساسي لن يسمح بتغيير الوضع حتى لو تم الاتفاق على حل، وهو الانتخابات النيابية، وبكل موضوعية، ليس هناك من لبناني يعيش على الارض اللبنانية مقتنع بأن الاطراف السياسية ستضحي بالانتخابات النيابية وما يمكن ان تؤمّنه من مقاعد في البرلمان الجديد، من اجل ايصال الكهرباء الى المواطن، رغم ان موسم الصيف حلّ باكراً وباكراً جداً، وهو ما يعني استباق اشهر الذروة المعتادة وتوسيع فترتها لتصبح في حدود ستة اشهر تقريباً بدلاً من ثلاثة فقط.

الى من يلجأ المواطن اذا كان رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة غير قادرين على البت بموضوع الكهرباء، ويقولان صراحة ان مقاربة الملف لا تتم من وجهة نظر علمية بل من وجهة نظر سياسية بحتة؟ هل مسموح ان يكون اصحاب المولدات اقوى من الدولة؟ الا يشجع هذا الواقع المرير قطاعات اخرى على الاستقلال عن الدولة وان تعمد الى فرض حلولها بالقوة؟ انها اسئلة لأجوبة معروفة سلفاً حتى الآن، ووفق تقدير الكثيرين ستبقى الاجابة نفسها الى ما بعد الانتخابات النيابية وما بعد تشكيل الحكومة الجديدة. انقطعت الكهرباء عن المواطن وعن ​مجلس الوزراء​ ايضاً، ويقدم اصحاب المولدات انفسهم على انهم الحل المنشود، باعتبار ان الاوضاع الحالية لا تسمح بالتغيير المطلوب في هذا الملف، وبأنه لم تتقدم الدولة حتى الآن بمشروع بديل لتوفير الطاقة في انتظار اتمام المعامل التي تعتمد على اموال من الخارج ضمن قروض او هبات او غيرها... ويبقى الحل امام طريقين فقط: اما الابقاء على الوضع الحالي الذي يستفيد منه اصحاب المولدات، واما اعتماد ​الخصخصة​ بظروف وشروط يفرضها من سيشتري ​مؤسسة كهرباء لبنان​ وهو امر لن يفيد الدولة بطبيعة الحال. وحتى ايجاد حل وفق ما يطمح اليه المواطن اللبناني، ستبقى الدولة غارقة في ظلمة الكهرباء، تبحث عن مصادر الطاقة من خلال الانوار التي تؤمّنها لها المولدات، فيما سيبقى المواطن يدفع الاثمان الباهظة ويضرسون من الحصرم الذي وضعه في افواههم المسؤولون الذين تلكؤوا عن القيام بواجبهم في السابق وسمحوا لوضع الكهرباء ان ينتقل من سيء الى اسوأ، كرمى لعيون... اصحاب المولدات.

قد يكون المطلوب اعتياد الناس على الواقع المرير للكهرباء، فيستمرون بالدفع ارضاء لبعض المسؤولين ولاصحاب المولدات الذين يزدادون ثراء ونفوذاً دون ان يلتزموا بقوانين او ان يدفعوا ضرائب، وقد يكون الحل لمشكلة اللبناني الاقتصادية والمالية في اقتناء مولد وانضمامه الى اصحاب النفوذ الحقيقيين.