أما وقد أُقفل باب نسج اللوائح والتحالفات فإن ​الماكينات الانتخابية​ على مساحة ​لبنان​ بدأت تتحرك استعداداً لخوض غمار هذه المعركة التي ستكون وفق القانون الجديد بنكهة جديدة، وسينبثق عنها أيضاً مجلس نيابي مختلف كثيراً عن المجلس السابق من حيث التحالفات والأداء، وهو ما يعني بأننا سنكون امام مرحلة سياسية جديدة خصوصاً في ما يتعلق بتأليف ​الحكومة​ ومقاربة الملفات والاستحقاقات المقبلة.

وإذا كان من الثابت بأن ما يقارب نصف ​المجلس النيابي​ الحالي سيكون خارج الحلبة البرلمانية القادمة بفعل عزوف الكثيرين عن الترشح نتيجة التقسيمات التي لحقت بالدوائر نتيجة اعتماد ​قانون النسبية​، وعدم تمكن البعض من اللحاق بلوائح تضمن لهم الفوز، فإن الثابت أيضاً بأن وجوهاً جديدة ستدخل إلى البرلمان تحت عناوين ومسميات توحي بأن العمل البرلماني وخصوصاً الرقابي سيكون مختلفاً عن المراحل السابقة، ويتأتى ذلك من كون أن اللوائح الانتخابية التي نسجت لم تكن في معظمها متجانسة بل جاءت تحت ضغط المصالح التي تقدمت بأشواط على البرامج الانتخابية.

ومما لا شك فيه ان الساحة السياسية ستشهد في الفترة الفاصلة من الآن وحتى السادس من أيار منسوباً مرتفعاً من حدة الخطاب السياسي، حيث يتوقع ان تستخدم فيه مختلف أنواع الشعارات والاتهامات، كون ان الانتخابات التي تخاض، لا تخاض على أساس برامج بل على أساس تقاطع مصالح ونكايات سياسية، حتى ان بعض العوامل الإقليمية والدولية كانت سبباً في اقدام البعض على الترشح، وكذلك سبباً في اعداد بعض اللوائح، مما يعطي هذه الانتخابات الطابع السياسي البعيد كل البعد عن المسائل الحياتية والمعيشية والإنمائية، ويظهر ذلك بوضوح عند تفكك تحالفات الأمس وقيام تحالفات ما أنزل الله بها من سلطان، ومثال على ذلك القرار الذي اتخذه ​التيار الوطني الحر​ في مواجهة حركة «امل» وحليفه «حزب الله» بمرشحين من ​الطائفة الشيعية​ في العديد من الدوائر، مما يعكس فعلياً ما ستكون عليه طبيعة المرحلة السياسية خلال مقاربة الملفات والاستحقاقات المنتظرة والتي يأتي في مقدمها تأليف الحكومة التي ستخلف الحكومة ​الجديدة​ التي ستتحول حكماً إلى حكومة تصريف أعمال بعد العشرين من شهر أيّار المقبل موعد انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي.

وإذ كان الاستحقاق النيابي يأخذ هذا الطابع السياسي الحاد، وتحشد فيه كل القوى السياسية كامل قوتها لحصد ما أمكن من مقاعد تحت قبة البرلمان، على اعتبار ان نتائج الانتخابات ستكون مفصلية عند كل فريق سياسي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا سيكون عليه الحال بالنسبة لتأليف الحكومة الجديدة؟

صحيح انه من المبكر الحديث عن شكل هذه الحكومة قبل ان تحط المعركة الانتخابية اوزارها ويتبين الحجم التمثيلي لكل فريق سياسي، غير ان كل المعطيات الداخلية والخارجية توحي بأن ولادة الحكومة العتيدة لن تكون ميسرة، وهي ستواجه مخاضاً عسيراً لا يُمكن تحديد مداه الزمني في الوقت الراهن.

من المؤكد وانطلاقاً من التسوية السياسية القائمة فإن الرئيس ​سعد الحريري​ هو من سيكلف مجدداً بتأليف الحكومة الجديدة، لكن هذا لا يعني انه سيكون بإمكانه تأليف هذه الحكومة بسرعة، فدربه في هذا السياق لن تكون مزروعة بالورد والياسمين بل ان هناك مطبات وعتبات كثيرة ستواجهه ان بالنسبة لشكل الحكومة أو بالنسبة للافرقاء الذين سيمثلون في هذه الحكومة، فبلا شك ولا ريب ان العامل الإقليمي والدولي سيكون مؤثراً في عملية التأليف شئنا أم أبينا، ويأتي ذلك من منطلق ما تشهده المنطقة من تطورات على كافة المستويات السياسية والميدانية، وهو ما سيجعل الرئيس المكلف يمشي في حقل من ​الألغام​ خلال وبعد الاستشارات التي سيجريها بهذا الخصوص، بغض النظر عن النتائج التي ستتمخض عن الانتخابات، والفريق الذي سيحصد مقاعد نيابية أكثر من غيره، فليس خافياً على أحد ان أبرز ما سيواجه الرئيس المكلف هو اعداد البيان الوزاري الذي عادة ما ينسج بعناية فائقة نظراً للواقع السياسي الداخلي، ونتيجة عوامل إقليمية ودولية، خصوصاً في ما خص البند المتعلق بمقاومة الاحتلال الذي لطالما كان في السابق بنداً صعباً امام اللجنة الوزارية التي كانت تكلف مهمة حياكة البيان الوزاري.

وفي تقدير أوساط سياسية ان استمرار مفعول التسوية السياسية سيكون كفيلاً بتجاوز عقد البيان الوزاري، إذ ليس في مصلحة أي فريق سياسي ان يقع لبنان مجددا في آتون الفراغ، فما ينتظر لبنان من استحقاقات داخلية وخارجية يحتم وجود حكومة مكتملة الاوصاف باعتبار ان عمل أية حكومة تصريف أعمال يكون على نطاق ضيق، وبالتالي فإن متابعة تنفيذ نتائج المؤتمرات الدولية التي ستخصص للبنان تفرض التوافق السريع على تأليف حكومة، فكما كان يتم في الماضي تجاوز البنود الخلافية ووضعها جانباً يتكرر هذه المرة أيضاً، لأنه يستحيل ولادة أية حكومة من دون توافق سياسي، وان أي تفكير يتجاوز هذه المعادلة يعني القذف بالبلد في اتجاه المجهول.

وتؤكد هذه الأوساط ان الرئيس المكلف ستكون لديه القدرة على ابتداع الصيغة الملائمة التي تؤدي إلى ولادة الحكومة تحت سقف التوافق السياسي والتفاهم بين مكوناتها، إذ ان المناخ السياسي السائد قبل الانتخابات النيابية لن يكون هو ذاته لدى تأليف الحكومة، وبذلك فإننا سنكون أمام ولادة حكومة تتمثل فيها كل الأطراف الوازنة التي ستنبثق عن الانتخابات التي ننتظرها في السادس من أيّار المقبل.