طيلة الأسبوع الماضي، اتّشحت كنائسنا بالسواد حزينةً على راعيها، ولكن سُرعان ما تبَدَّد هذا المشهد ليُعلِن بِداية زمن الفرح الذي تختبر فيه الكنيسة ربّها قائماً منتصراً على الموت، مُعلِناً الزمن الجديد، زمن انتصار الحياة على الموت.

المسيح​ قام!. القيامة ليست مادّةً للدرس، بل للإختبار. ففي القيامة لا يجب أن نتطلَّع إلى"كيف قام يسوع؟"، بل إلى"هل التقيتُ يسوع القائم؟". القيامة هي اللقاء مع يسوع القائم من بين الأموات، وهذا بالتحديد ما تُشيرُ إليه النصوص الإنجيليّة التي تتنقل إلينا هذ الخبر المُفرِح. يسوع قام وتراءى أوّلاً لمريم المجدلية(مر169)، ومن ثُمَّ للتلاميذ من دون توما(يو2019-23)، وبعد ذلِك للتلاميذ وتوما معهم(يو2025-28). وفي مكانٍ آخر تراءى للتلميذين على طريق عمّاوس(لو2413-34)، وللتلاميذ على البُحيرة(يو211-14)، وأخيراً للتلاميذ على جبل الزيتون عند صعوده إلى السماء(أع112). ويؤَكّد مرقس على هذه الحقيقة فينقل إلينا كيف أنَّ الرسل لَم يُصدِّقوا المجدلية عند أخبرتهم عن القيامة ولا تلميذا عمّاوس(مر1610-13). في الواقع، عندما نلتقي بيسوع نعرف أنّه حيّ، فاللقاء الشخصي بالقائم من الموت هو وحده الجواب الشافي على صحّة القيامة.

القيامة إذاً هي اللقاء الشخصيّ بيسوع القائم من بين الأموات، "لقاء واستقبال واتباع لشخص المسيح نفسه"(بندكتوس السادس عشر، عظة أربعاء الرماد2013). نلتقي بِه، نستقبِلُه في حياتِنا، ونتبعُه في طريق الخير و الحقّ والحُبّ. هذا اللقاء يتمُّ اليوم، يوم القيامة، "فاليوم هو اليوم الذي صنعه الربّ، على ما نُنشد في الليتورجيا المقدسة، تعالوا نُسَرُّ ونفرَحُ فيه"(مز11724)، أي تعالوا كُلُّنا نعيش اليوم هذا الإختبار، اختبار اللقاء مع المسيح القائم. وعبارة "اليوم"يجب أن تُفهمبالمعنىالأصليوالحرفيللكلمةوليسالمجازي،فاليوم هو يوم اللقاء بالقائم من بين الأموات. واليوميبدأ عالم جديد، عالمنا الجديد. حياةٌ جديدة، حياتنا الجديدة. اليوم تبدأ شهادتنا للمسيح الحيّ. اليوم هو اليوم المناسب لنُسرِع في نقل البشارة كالمجدليّة، من خلال حياتنا كمُعمَّدين أمينين للموت والقيامة: الموت عن الخطيئة والقيامة إلى حياة النعمة.

إذا كان المسيح مات وقام من أجل تحريرنا من الشرور، فكيف يسلُك البعضُ مِنّا سلوكَ "أعداء صليب المسيح"(فل1718)!. أُصلّي في هذا النهار العظيم، من أجلِ إخوتي الذين لَم يختبروا بَعدُ فرح اللقاء بالمسيح القائم. من أجلِ إخوتي الذي تتآكلُهم الأطماع، فيبيعون إخوتهم والتاريخ والجغرافيا بثمنٍ بخس. أُفكّرُ وأُصلّي من أجل إخوتي المسيحيين الذين يعيشون حالةً لامبالاة تجاه الإيمان، ويعيشون في غُربَةٍ عن الربّ. أُصلّي من أجل إخوتي الذين يُرَوِّجون للدعارة ويُسَهِّلونها ويُسَوّقونها. من أجلِ إخوتي الذين يُروّجون لثقافة الإباحية والتفلّت الأخلاقي. من أجل إخوتي الذين يُديرون مرافق سياحيّة أفسحوا فيها بالمجال أمام الإنحطاط الأخلاقي و​الفساد​ وحفلات المجون. أُفكِّرُ وأُصلّي من أجل إخوتي الذين يستغلّون إخوتهم في المرافق والمؤسّسات العامّة والخاصّة، ويبيحون لأنفسِهم السرقة والنهب والتحَكُّم بالضعفاء. من أجل إخوتي الذي يُتاجرون بالمُخدّرات مُهدّدين مستقبل ​الشباب​ والعائلات. من أجل إخوتي الذين يعملون في الشأن السياسي فيفضّلون مصالحهم الشخصيّة على الخير العامّ. من أجل إخوتي الذين يجعلون من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي، وسيلة للقدح والذّم وانتهاك أعراض وحُرمات الناس، والإنقضاض على الكنيسة وبطاركتها وأساقفتها وكهنتها ورهبانها وراهباتها ومؤمنيها، وعلى بعضهم البعض. في هؤلاء، وفي غيرهم من إخوتي الذين زوّروا الحقّ وعبدوا الباطل، أُفكّر وأُصلّي، وأدعوهم اليوم بحرارة وقوَّة المحبّة إلى التوبة. "اليوم، نعم اليوم، إن سمعتم صوتَه فلا تُقَسّوا قلوبَكم(عب315)، بل افتحوها لسماعِ صوت الربّ، واطلبوه من كلِّ قلوبِكم، وليكن اللقاء مع يسوع القائم محور حياتكم وأفكاركم وأقوالِكم وأعمالكم، لكي يَرُدَّ لَكُم أمجادكم:"تَطلبونَني فَتَجدوني إذا طَلَبتُمُوني بِكُلِّ قُلوبِكُم، وَأُوجَدُ بَينَكُم وَأُعِيْدُ لَكُمْ أَمْجَادَكُم" (إر 12:29)

نصلي لكي يفتح الربُّ قلوبنا على نور قيامته، فنهتدي اليوم إلى الحياة الجديدة ونعيشها في الشهادة للمسيح القائم. آمين.

المسيح قام، حقّاً قام ونحن شُهودٌ على قيامته.