أكد رئيس أساقفة أبرشية ​بعلبك​ ​دير الأحمر​ المارونية ​المطران حنا رحمة​، في رسالة ​عيد الفصح​ المجيد إلى أبناء الأبرشية، أنه "ليس لأحد حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبائه"، مشيراً الى أنه "قد يدعونا عقلنا البشري إلى التساؤل في حقيقة موت الرب المسيح، لأن ليس في مقدورنا ومنطقنا التصديق أن الله يموت وهو رب الحياة وسيدها، وهذا ما حصل مع أتباع يسوع وتلاميذه"، موضحاً أن "الله لا يموت هي مسلمة إيمانية لم يستطع أسلاف يسوع ومعاصريه أن يتراجعوا عن الاعتقاد بها، أولا لأن الموت هو حقيقة بشرية إنسانية بحت، وحده الله يتحكم بها أما هي فلا حكم لها عليه، فالله هو سيد الحياة وربها وخالقها".

وتابع رحمة بالقول أن "الله لا يموت لأنه إن مات فهذا يعني أنه بشر، وبالتالي حقيقة محددة في الجسد والتاريخ، وهذا لا يمكن تصديقه، إن موت الله يعني النهاية، فلا يمكن للانسان المتدين أو المؤمن أن يتقبل فكرة موت الله، فهذه إشارة إلى الفناء والعودة إلى العدم، فكيف عسى أتباع يسوع يصدقون حقيقة موت من وضعوا فيه كل آمالهم السياسية والدينية والوجودية، بعد أن أوحى لهم جهرا، قولا وفعلا، أنه حقا ابن الله"، مؤكداً أنه "لقد مات الرب يسوع حقا على الرغم من التلطيفات وعمليات التجميل التي قد نسمح لأنفسنا أن نلجأ إليها للهروب من الاعتراف بهذه الحقيقة التاريخية الغريبة، وعبثا نحاول التنكر لذلك، لقد مات الرب لأنه كان عنيدا في حبه للانسان، كل إنسان، لقد مات يسوع لأن الموت هو تنفيذ لقضاء العدالة، فلا بد من عقاب عادل على الخطايا والشرور التي اقترفها البشر، أعزاء الله على امتداد العصور، ولما كانت خطايا البشر في غاية البشاعة والدناءة، صار الموت عقابا في غاية العدالة، فجاء الرب يسوع، في غاية الحب والرحمة يأخذ على عاتقه وزر هذا العقاب القاتل، بريئا من كل الاتهامات، ليعفي الإنسان من هلاك العقوبة ويفديه بنفسه، فهل من حب أعظم من هذا؟".

كما نوه الى أنه "تشبه الله بالإنسان بكل شيء، فبات باستطاعته تخليصه، تشبه به في الجسد وفي حاجات الجسد، تشبه به في ​الولادة​ والنمو، تشبه به في الجوع والعطش والألم، وفي النهاية تشبه به في اختيار الموت هو من خلقه على صورته ومثاله، تشبه به كي ينقذ تلك الصورة من التشوه والإهمال والخطيئة، معيدا إليها هيبتها الأولى والجمال، فهل من حب أعظم من هذا"، معتبراً أنه "لا يمكن فهم مقاربة موت الرب يسوع وقيامته إلا على ضوء مفهوم العهد الجديد لذبيحة المسيح الفصحية، فدم المسيح الذي سال بالكامل على خشبة الصليب، إنما أهرق لمغفرة خطايا البشر أجمعين، وتحقيق المصالحة بينهم وبين الرب السماوي، تفوق ذبيحة المسيح هذه جميع سابقاتها وتتممها، وفي هذه الذبيحة يحل يسوع، آدم الجديد، طاعته للآب محل العصيان، ويقدم نفسه للآب عن آدم الأول وعن سلالته الخاطئة ذبيحة تكفيرية محكومة بالحب حتى بذل الذات".

كما اشار الى أنه "اذا كان المسيح قد مات، حقا مات، إلا أنه في اليوم الثالث قد قام، حقا قام، وإذا كان موت المسيح حدثا حقيقيا وتاريخيا أكيدا، فقيامته في اليوم الثالث هي أيضا حدث حقيقي تشهد له ظهورات تاريخية ثابتة، ورؤية القبر فارغا كانت كافية لكثير من الرسل لإعلان حقيقة القيامة وتصديقها"، لافتاً الى أن "​السيد المسيح​ لم يمت ليموت، بل ليقوم منتصرا على الموت، قيامة يسوع إنما هي عربون قيامتنا وتأكيد تاريخي وروحي لها، فلم يعد الموت مذ ذاك مدعاة خوف وقلق، وبات معبرا لحياة أفضل".

وختم معتبرا أن "الإيمان بالقيامة هو، على كل حال، نعمة مجانية يعطيها الله للانسان، بدونها تصبح الحياة ​المسيحية​ أشبه بمن يدعي أن باستطاعته إحصاء عدد حبات الرمل في الصحراء وحبات التراب في الجبال، فلا يتعالين أحد وينتفخن في ذاته محاولا تأكيد المعتقدات الإيمانية وفهمها ملتجئا إلى العقل وحده، بل ليسلم كل منا عقله وقلبه وكيانه كله إلى عناية الروح ​القدس​".