لأن تغيير الإسم قد يحمل تغييرا في النتيجة، يخوض ​لبنان​ مغامرة مؤتمر "سيدر 1" الخاص بدعم الاستثمارات والتنمية في العاصمة الفرنسية(1)، بعد أن خاض سابقا مغامرات مؤتمرات باريس 1 و2 و3، والهدف دوما هو الحصول على الأموال لتحسين الوضع الاقتصادي اللبناني، او ما يسميه البعض "تسوّل الأموال".

"يعتبر مؤتمر "سيدر 1" امتدادا لمؤتمرات "باريس" اذ يبدو أن لبنان اعتاد على الإعانات والمساعدات الخارجية"، يقول الخبير الاقتصادي أحمد جابر، مشيرا الى أن لبنان عندما لا يريد الانطلاق من امكانياته الذاتية سيبقى مرهونا للخارج، وكل ارتهان للخارج سيحمل بطياته بعض الاهداف المعلنة واخرى غير معلنة". ويقول: "الاهداف المعلنة هي دعم لبنان، وعادة تكون الاهداف جميلة، لذلك علينا ان نبحث في تلك غير المعلنة للمؤتمرات".

بدأنا عام 1993 من 2.9 مليار دولار دين ووصلنا عام 2018 الى 83 مليار دولار، ولن تضيف هذه المؤتمرات الى لبنان سوى المزيد من الديون. في باريس 3 مُنح لبنان مساعدات بقيمة 7.6 مليار دولار، تسلّم منها 1.6 ووُعد بالباقي مقابل تنفيذه لشروط الاصلاحات المطلوبة، وكان المطلوب تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي والتحول من ​القطاع العام​ الى الخاص، فأًلزم لبنان ان يقوم ببرامج خصخصة ولكنه حتى اللحظة لم يستلم المبلغ المتبقي. فهل يختلف الوضع في سيدر 1؟.

يشير جابر الى أن المؤتمر المذكور أو باريس 4 سيقدم الى لبنان 16.9 مليار دولار مشروطة بالاصلاحات أيضا وأبرزها: اصلاحات هيكلية في ​الموازنة​ تتضمّن تخفيض الإنفاق ورفع الدخل، اصلاحات قطاعية كقطاعي المياه والكهرباء خصوصا وأن لبنان يخسر سنويا ما يقارب الملياري دولار اميركي في ​قطاع الكهرباء​، واصلاحات ادارية او ما يعرف بتخفيض نسب ​الفساد​ في الادارات العامة. ولكن الصدمة الكبرى التي يتحدث جابر عنها تكمن في "فشل المؤتمر وما سينتج عنه"، مشيرا الى أن الدين العام سيزداد ليصل الى حدود الـ100 مليار دولار في العام 2019، اذ انه اليوم 83 مليارا، وسيضاف اليه مبلغ 8 مليار دولار ويشكل عجز الخزينة في موازنة العام الحالي، اضافة الى 5 مليارات خدمة للدين العام.

سارعت ​الحكومة اللبنانية​ لإنجاز موازنة عام 2018 كرمى عيون "سيدر 1" لان من المستحيل على لبنان الدخول الى مؤتمر لدعمه من دون وجود ضابط مالي، ولكن كل هذه المؤتمرات ستكون كسابقاتها ولن تحقق المرجو منها، لان اللبنانيين بحاجة الى الاعتماد على ذواتهم أولا وأخيرا.

وفي هذا السياق يقول جابر: "لا يمكن أن نرى توجه الحكومة نحو المؤتمر سوى هروبا من الواقع الذي يقول بانه لم يعد لديها مصدرا أو أداة للحصول منه على الأموال بالعملات الأجنبية"، مشيرا الى أن الأدوات السابقة توقفت وأبرزها "الأداة العقارية"، و"أداة الهندسة المالية.

توجه لبنان للخارج لطلب المساعدة وبالمقابل نحن لا نساعد أنفسنا بالداخل، ولدينا خلافات داخلية وغياب للرؤية الاقتصادية الموحدة، وهدرا وفسادا قلّ نظيرهما، فهل تستقيم الأمور من خلال المؤتمرات أم انها ستكون مجرد وسيلة لزيادة الدين العام والهروب الى الأمام؟ والا ينبغي وضع خطة لبنانية اقتصادية واضحة المعالم والأهداف تنطلق من الداخل قبل التوجه للخارج؟.

(1) يعقد في العاصمة الفرنسية بمشاركة نحو 50 دولة ومؤسسة مالية عالمية، وضم الوفد وزراء المال علي حسن خليل والخارجية جبران باسيل والأشغال يوسف فنيانوس والاقتصاد رائد خوري والطاقة سيزار ابي خليل، حاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​، رئيس المجلس الإقتصادي الاجتماعي شارل عربيد، مستشارا رئيس الجمهورية الياس بو صعب وميراي عون، مدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري والمستشار نديم المنلا.

من المتوقع أن تضم الورقة الاقتصادية التي ستخرج بها لجنة التنسيق أكثر من 250 مشروعاً موزعاً على قطاعات المواصلات والمياه والكهرباء والصرف الصحي، إضافة إلى بعض المشاريع المرتبطة بالاتصالات والصحة العامة والتربية وإرث لبنان الثقافي، على أن تساهم المشاريع كلها في إطلاق عجلة النمو. بالتالي، ضبط العجز وخفض الدين العام.