اعتبر وزير ​الخارجية التركية​ مولود تشاووش أوغلو في موقف له ان المشهد القاسي السائد في ​الشرق الأوسط​ يجب أن لا يطغى على حقيقة مفادها أن السلام أمر يمكن تحقيقه. ويتوجب أن يكون الحفاظ على وحدة أراضي الدول، ركناً أساسياً من أركان إرساء السلام.

واعتبر اوغلو على الصعيد العسكري ان ​تنظيم داعش​ انهزم إلى حد كبير، ولكن ذلك لم يتحقق فقط بفضل الضربة الأخيرة التي وجهتها الفصائل التي دربتها وسلحتها ​الولايات المتحدة​ الأمريكية. لقد انهزم تنظيم داعش بفضل الجهود الدؤوبة التي بذلها ​الجيش العراقي​ و​التحالف الدولي​ الذي يباشر نشاطه انطلاقاً من ​تركيا​. وقد تم الكشف عن نقاط الضعف لدى تنظيم داعش عبر محاربة تركيا له بشكل مباشر، حيث أن ​الجيش التركي​ يعتبر أول جيش في حلف الناتو قام بإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش في ​جرابلس​ الواقعة في شمال سورية. ومن خلال الجهود الدؤوبة التي يبذلها التحالف يتم الحؤول دون تحقق احتمالية تجميع داعش لقواه، حيث أن تركيا أيضاً تشارك في هذا التحالف وهي تملك أكبر قائمة للمقاتلين الأجانب الإرهابيين المحظورين، وأجرت أكبر عملية أمنية مدنية في العالم ضد تنظيم داعش.

ولفت الى ان الاهتمام الذي تم إيلاؤه للإيديولوجيات التي تتبناها داعش والقاعدة والتنظيمات الأخرى المرتبطة بها، لن يتلاشى بسهولة. وقد شهدت شوارعنا أعمالاً إرهابية قبل ظهور داعش أيضاً، وهي ستستمر بشكل مستقل عن العمليات المسلحة التي يشنها داعش في الشرق الأوسط. ويتوجب على مكافحة الإرهاب أن تستمر بكل حماس ونشاط، مع زيادة التركيز على جمع المعلومات الاستخباراتية في الوقت المناسب، واتخاذ التدابير المالية، وعرقلة انضمام الأعضاء الجدد إلى صفوف الإرهابيين والمتشددين.

واضاف ان السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص تسليح تنظيم ب ك ك/ي ب ك، على الرغم من ماضيهما الإرهابي، تعتبر واحدة من نقاط الخلاف القائمة بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية. وهذه سياسة مشوبة بالعيوب من الناحية القانونية والأخلاقية، أعدتها إدارة أوباما خلال الأيام الأخيرة من فترة ولايتها، وانتقلت بهذا الشكل إلى إدارة ترامب. لقد أعطت الولايات المتحدة الأمريكية ذريعة لكافة منتقديها ومعارضيها عندما قررت إقامة تحالف مع الإرهابيين، وذلك على الرغم من القيم التي تؤمن بها والتحالف القائم منذ 66 عاماً بينها وبين تركيا التي تترأس قائمة الأهداف التي يحاول الإرهابيون النيل منها.

وأعرب عن امتنانه لرؤية العديد من حلفائنا في حلف الناتو وهم يبتعدون عن هذه السياسة المتعارضة مع القيم التي يمثلها تحالفنا. وهذه السياسة تتناقض في نفس الوقت مع مصالحنا المشتركة في المنطقة وفي المناطق الأبعد منها. وما أتمناه هو أن ينظر زميلي بومبيو الذي عين وزيراً للخارجية والسفير بولتون مستشار الأمن القومي، إلى مسألة تصحيح هذا المسار، كأولوية.

وشدد على ان كل من العراق وسورية واليمن وليبيا ودول أخرى في الشرق الأوسط تتعرض إلى ضغوطات مدمرة تمارسها عليها قوى عابرة للحدود تهدد وجودها. والصعوبات التي تواجهها هذه الدول تبرر كافة التدخلات التي تقوم بها جميع الدول واللاعبين غير الحكوميين وتتيح الفرصة أمام ذلك. والنتيجة ليست بحيرة من الدماء فحسب، بل هجرة جماعية وضغوطات إرهابية على تركيا وباقي دول أوربا. وأجواء الفوضى التي تشهدها هذه الدول تؤدي في نفس الوقت وظيفة الحاضنة لمشاعر الكره والتهديد للولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الدول الوطنية المقاومة أن تبني كافة الأسس الكفيلة بإرساء النظام والاستقرار في الشرق الأوسط. ورؤية بشار الأسد ستخسر وتتعرض للهزيمة في نهاية المطاف، ولكن يجب على سورية الموحدة أن تكسب في النهاية هذه الحرب التي استمرت طويلاً.

ولفت الى ان عملية غصن الزيتون العسكرية التي أجرتها تركيا في الداخل السوري، تعتبر قبل أي شيء عملية دفاع عن النفس في مواجهة الهجمات الإرهابية التي يشنها إرهابيون تم توثيق عدوانهم من قبل، على المناطق التركية المأهولة. وتهدف تركيا التي تستضيف 3,5 مليون سوري، من خلال إجراء عملية غصن الزيتون، إلى إزالة العراقيل التي وضعها المناهضون لمستقبل سورية الموحد أمام إحلال السلام في سورية. لقد خدمت المعسكرات الكبيرة التي أقامها إرهابيو تنظيم ب ك ك/ي ب ك على حدودنا، هدفين منفصلين، هما: الأول: تجميع الإرهابيين من أجل افتتاح جبهة أخرى إلى جانب جبهة شمال العراق لشن عمليات إرهابية من قبل تنظيم ب ك ك، وإنشاء شريط إرهابي دائم. وتثبت الأسلحة والبنية التحتية العسكرية التي استولينا عليها في عفرين هذا التقييم بشكل ثابت وقطعي. والهدف الثاني للمعسكرات الإرهابية هو إقامة مناطق آمنة للدول الصغيرة التي يهدف الإرهابيون إلى إقامتها في المناطق التي أخلاها تنظيم داعش على أنقاض سورية والعراق. وتهدف عملية غصن الزيتون التي أجرتها تركيا أيضاً إلى الحؤول دون تحول الانهيار إلى حرب أكبر، وعرقلة نمو الإرهاب وجر أوربا والولايات المتحدة الأمريكية إلى أتونه، وفتح طريق السلام بدلاً من ذلك.

وختم اوغلو بالاشارة الى انه يجب أن يبقى الشرق الأوسط في مأمن من خطر الطائفية ومناطق النفوذ والإمبريالية التي استعادت زخمها والخلافات الواقعة فيما بين الأسر الحاكمة والتطرف الديني وغيره من أنواع التطرف. لقد عانت الدول وشعوب المنطقة والمتأثرين من هذا الوضع، ما يكفي من المآسي. وقد تظهر بالفعل عناصر خارطة الطريق نحو هذا المستقبل الناجح عبر القيادة الحازمة لتركيا. وما أتمناه هو أن تختار الولايات المتحدة الأمريكية فرصة اغتنام هذه اللحظة ودعم رؤية السلام هذه.