لفت رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، في كلمة له في ​القمة العربية​ المنعقدة في الظهران ب​السعودية​، إلى "أنّنا التقينا في ​الأردن​ في القمة الماضية وكانت النار تشتعل في العديد من أوطاننا، والتقينا في ​اسطنبول​ في ​القمة الإسلامية​ على وجه السرعة لأنّ خطراً وجودياً هدد ​القدس​، ونلتقي اليوم، ومن البديهي أن يكون أول سؤال نطرحه عمّا إذا كانت اجتماعاتنا السابقة قد أدت الى بعض الحلول"، مشيراً إلى أنّ "نار الحروب لا تزال مستعرة، وخطر اندلاع حرب دولية على أرض سوريا يتصاعد، واللا استقرار يخيّم على معظم دول المنطقة، والإرهاب يتنقّل من بلد لآخر يصطاد الضحايا، والعديد من أبناء شعوبنا هجروا أوطانهم وتشرّدوا في العالم بحثاً عن أمن أو لقمة عيش، كما تشرّد قبلهم أبناء فلسطين".

ونوّه الرئيس عون إلى أنّ "لبنان نال نصيبه من الإرهاب، وهو إن يكن قد تغلّب عليه، فإنّه لا يزال يحمل تبعات الأزمات المتلاحقة حوله، من الأزمة الاقتصادية العالمية، الى الحروب التي طوّقته، وصولاً الى أزمة النزوح التي قصمت ظهره وجعلته يغرق بأعداد النازحين"، مبيّناً أنّ "لبنان تلقّى بحكم الجغرافيا والجوار، العدد الأكبر من موجات النزوح، ما يفوق قدراته على الاستيعاب والمعالجة؛ فلا مساحته ولا كثافته السكانية ولا وضعه الأمني ولا بنيته التحتية ولا سوق العمل فيه قادرة أن تتأقلم مع هذا الدفق السكاني".

وتوجّه إلى كلّ "الإخوة المجتمعين في القمة"، قائلاً إنّ "مشكلة النزوح السوري تعنينا جميعاً، ولا يجوز أن تتحمّل عبئها فقط دول الجوار السوري، بحكم سهولة الإنتقال والوصول إليها"، مركّزاً على أنّ "قضية فلسطين تمثّل الموقع المتقّدم في قلب التطورات، وهي أساس اللا استقرار في الشرق الأوسط والتغاضي الدولي، حتّى لا نقول التواطؤ الدولي، عن كلّ ما قامت وتقوم به إسرائيل، من تدمير وتهجير وسلب حقوق على مدى عقود هو لبّ المشكلة"، مشدّداً على أنّ "الإعتداءات الاسرائيلية على السيادة اللبنانية تتواصل من دون رادع، وأيضاً خرقها للقرار 1701، واستخدامها الأجواء اللبنانية لضرب الداخل السوري، بالإضافة إلى تهديداتها المتواصلة بإشعال الحرب"، موضحاً أنّ "في فلسطين، تعتدي إسرائيل وتمعن في التهجير وسلب الحقوق من دون أي إدانة فعلية تردعها. والقضية الفلسطينية تتآكل وتُقضم. مقاومة الإحتلال تتزايد، ولكن الدعم العربي لها ينحسر، والقدس توشك أن تضيع رسمياً بعد وضع اليد عليها على رغم الإرادة الدولية الجامعة وخلافاً لكلّ القوانين".

وأكّد الرئيس عون أنّ "المبادرة العربية للسلام لا تزال المرجعية الوحيدة الّتي تحظى بإجماع الأشقاء العرب، وهو إجماع يمكن البناء عليه لاستئناف المساعي الّتي تؤدّي إلى حلّ شامل وعادل للقضية الفلسطينية، حلّ يحفظ الأرض والهوية، إذ بدونهما لا يقوم وطن ولا شعب"، لافتاً إلى أنّ "هذه المرة أيضاً لم آت ناصحاً ولا واعظاً، ولكن الحلّ الذّي خشيت أن يُفرض علينا، وأن نذهب فرق عملة فيه، بدأ يفرض فعلاً، والقدس أوّل بداياته"، متسائلاً "هل سنسمح للقدس أن تضيع؟ هل سنقبل بالتهجير الجديد، ونقف مكتوفي الأيدي ونحن نرى قدسنا الّتي تضمّ مسجدنا وكنيستنا، تصبح عاصمةً لإسرائيل؟ هل نتهرّب من المواجهة ونرمي المسؤولية على الغير، خصوصاً وأنّ في الأفق ملامح ​سياسة​ ترسم لمنطقتنا وهي، إن نجحت، ستنال منا جميعاً. فهل ننتظر حدوثها لنعالج النتائج أم نقوم بعمل وقائي لنمنع وقوعها؟".

وأشار إلى أنّ "الحرب الدولية على أرضنا لم تعد بالوكالة وكل مجريات الأحداث تشير إلى أنّها تتّجه لتصبح بالأصالة، وهي إذا ما اندلعت فعلاً فستقضي على ما تبقّى من استقرار واقتصاد وحجر وبشر في أوطاننا، فهل سنسمح أن تكون أرضنا مسرحاً لحروب الآخرين؟ هل سنقف مكتوفي الأيدي ونترك أوطاننا تدمّر وشعوبنا تذبح؟"، منوّهاً إلى أنّ "السياسة في مفهومها الكبير هي التلاقي مع الحدث والتأثير فيه، لا محاولة اللحاق به وتحمّل نتائجه وتبعاته، والكلام لم يعد مجدياً إن لم يقترن بالعمل والتنفيذ؛ فنحن في سباق مع الوقت وكلّ تأخير يرتّب علينا خسائر جديدة ويزيدنا ضعفاً"، مركّزاً على أنّه "لا يمكن لأي موقف لنا أن يكون فاعلاً ويؤثّر في مجريات الأحداث ما لم يكن محصّناً بوحدتنا الفعلية، وما لم نكن جميعاً داعمين له بالقول والفعل، لذلك فإنّ الحاجة إلى مبادرة إنقاذ من التشرذم الّذي نعيش أصبحت أكثر من ضرورة".

وبيّن الرئيس عون "أنّنا اليوم على أرض السعودية، ومن يقدر على جمع العائلة أكثر من كبارها؟ فهل تنطلق من هنا مبادرة عملية رائدة تلمّ الشمل وتعتمد الحوار سبيلاً لحلّ المشاكل، وتجعل من المادة الثامنة من ميثاق جامعتنا عهداً ملزماً يفرض على كلّ دولة منّا أن تحترم فعلاً نظام الحكم في الدول العربية الأخرى ولا تقوم بأيّ عمل يرمي إلى تغييره؟ إذ بعد العاصفة الّتي ضربت منطقتنا، لا بدّ من إرساء رؤية مستقبليّة عنوانها المصارحة والتضامن الحقيقي الّذي لا خلاص لنا من دونه".

وشدّد على أنّ "المجتمع اللبناني هو نقيض العنصرية والأحادية، وهو نموذجٌ لعيش الوحدة ضمن التعددية والتنوع، والتجربة اللبنانية قد أثبتت أنّ الحوار هو الحل فعلى الرغم من كلّ الإختلافات السياسية والتصاريح النارية، ظلّت وحدتنا الوطنية هي السقف. وعلى الرغم من كلّ الغليان حولنا ظلّ لبنان قادراً على منع انتقال الشرارة إليه، ذلك انّ اللبنانيين تعلّموا من تجارب الماضي وصاروا يعرفون جيّداً أنّ الحرب الداخلية لا تحلّ مشكلة، وأنّ لا رابح فيها بل الجميع خاسرون، والحلّ لا يكون إلّا باللقاء والمصارحة والحوار واحترام مخاوف الآخر وهواجسه وأخذها بالإعتبار".

وبيّن عون أنّ "هذه التجربة يمكن أن تعمّم لتكون نموذجاً للدول العربية الّتي تعاني من صراعات الداخل، فالإنسان لا يُهزم إلاّ من داخله، وكذلك الأوطان. وإذا ما كانت هناك من أخطار محدقة، فاتحادنا أو على الأقلّ تعاوننا قادر أن يحمينا، ولنضع نصب أعيننا مستقبل الأجيال المقبلة، مستقبل أولادنا وأحفادنا، فهم غد أمتنا وأملها، فلنعمل جاهدين كي لا يعيشوا ما عشناه وهذه مسؤوليتنا"، منوّهاً إلى أنّ "لدينا كلّ المقومات والمعطيات لنخرق هذا الواقع المؤلم ونطلّ على غد مشرق مزدهر ومستقرّ وأكثر عدالة، فنكون وطناً عربياً كبيراً يغتني بتعدديّته ويقوى بمكوّناته وتنوّعه، بدل أن نبقى أوطاناً مبعثرة يسود في ما بينها الشك والحذر ويسهل استفرادها وضربها".

وركّز على أنّ "الأخطار كثيرة، والتحديات كبيرة، ومسؤوليتنا جسيمة، ويبقى أن نختار ما بين المواجهة والرضوخ"، متوجّهاً إلى رئيس القمة والقادة العرب قائلاً: "يسعدني أن تستضيف الجمهورية اللبنانية أعمال الدورة الرابعة للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في العام المقبل في بيروت، فتحلّون في ربوع وطنكم الثاني وبين أهلكم الّذين يستعدّون لاستقبالكم بكلّ حفاوة وترحيب كما درجت العادة"، لافتاً إلى أنّ "لبنان الّذي كان من الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية يتطلّع دائماً إلى أن تكون أرضه مساحة تلاق وتضامن ووحدة يتعزّز فيها العمل العربي المشترك لما فيه مصلحة دولنا وشعوبنا الشقيقة. وعلى أمل اللقاء بكم في بيروت العام المقبل، أتمنّى لكم دوام النجاح والتوفيق ولدولكم الشقيقة التقدم والإزدهار".