في الوقت الذي يتواصل فيه الصراع الإقليمي والدَولي الذي يتخذ من منطقة الشرق الأوسط ساحة له(1)، يَعيش لبنان المقسوم بين نظريّة "النأي بالنفس" ورفض التعرّض لأي دولة عربية، صراعًا سياسيًا داخليًا من المُرجّح أن تتصاعد حدّته في الأيّام القليلة المُقبلة بالتزامن مع إستمرار العدّ العكسي لتاريخ السادس من أيّار المقبل، موعد الإنتخابات النيابيّة لدورة العام 2018.

ولا شكّ أنّ وتيرة المواقف السياسيّة والتراشق الإعلامي المُتبادل ستتصاعد في الأسابيع الثلاثة الطالعة، علمًا أنّه تدور على خطّ مُواز معارك كُبرى بين الماكينات الإنتخابيّة الحزبيّة المُختلفة، حيث تنشط كل ماكينة على أكثر من خط، بدءًا بفرز اللوائح الإنتخابيّة بالتنسيق مع مسؤولي القرى والبلدات والمدن المختلفة لإحصاء "القوّة التجييريّة" التقديريّة لكل حزب وتيّار وشخصيّة سياسيّة، مُرورًا بتدريب وبتثقيف المندوبين الذين سينتشرون في مُختلف أقلام الإقتراع لتمكينهم من كشف أي عمليّات تزوير أو تلاعب أو خرق للقوانين، وبتحضير كل المُستلزمات اللوجستيّة المطلوب تأمينها للمعركة الإنتخابيّة، وُصولاً إلى تنفيذ المُناورات الإنتخابيّة لتقييم مدى الجُهوزيّة للتحرّك بفعاليّة ومن دون أخطاء على بُعد أقلّ من ثلاثة أسابيع من موعد الإنتخابات.

لكنّ المُفارقة أنّه بموازاة تنافس الماكينات الإنتخابيّة على الظُهور بموقع الماكينة المُنظّمة والفعّالة والواسعة الإنتشار، تعيش بعض الأحزاب والقوى المُتحالفة ضُمن لوائح مُشتركة، أجواء خلافات بين أركان لوائحها الذين إنطلقوا في جولاتهم الإنتخابيّة بشكل إفرادي، بحثًا عن "الصوت التفضيلي" وعملاً على الترويج لفوزهم الشخصي على حساب زملاء لهم، خاصة في الدوائر التي تدلّ الإحصاءات التمهيديّة أنّها لا تحمل العدد الكافي من "الحواصل الإنتخابيّة" للجميع. حتى أنّ بعض القوى والتيّارات والأحزاب بدأت تُواجه خلافات بين أعضاء الحزب الواحد، بسبب وشوشات وتسريبات وحتى إشاعات من هنا وهناك عن تعليمات بمنح "الصوت التفضيلي" لهذا المرشّح أو ذاك على حساب باقي المُرشّحين على اللائحة نفسها.

وإذا كان التراشق الإعلامي مثلاً بين كل من أحزاب "​التقدمي الإشتراكي​" و"​الديمقراطي اللبناني​" و"التوحيد العربي" يعكس صراعًا طبيعيًا على النفوذ ضمن البيئة الدرزيّة بين كل من الوزير طلال أرسلان والنائب وليد جنبلاط والوزير السابق وئام وهّاب، فإنّ الخلافات المُستجدّة بين كل من "الحزب الإشتراكي" من جهة و"تيّار المُستقبل" من جهة أخرى، بالنسبة إلى دائرة "​البقاع الغربي​"، كشف حساسيّة القانون الإنتخابي الجديد الذي يضع الشخصيّات المُتحالفة في مواقع مُتواجهة بحثًا عن "صوت تفضيلي" يؤمّن فوزها، بحيث صارت جولة النائب وائل أبو فاعور مثلًا على أي قرية أو بلدة سنّية في البقاع الغربي تُشكّل بالنسبة إلى "المُستقبل" مُحاولة لإنتزاع أصوات من تحت قدمي المُرشّحين السنّة لصالح أبو فاعور بشكل مُباشر ولصالح النائب السابق ​عبد الرحيم مراد​ بشكل غير مُباشر باعتبار أنّ إضعاف حُظوظ المرشّحين محمد القرعاوي وزياد القادري سيصبّ حُكمًا في صالح حُظوظ مراد.

ومن بين الأمثلة التي طفت على السطح أخيرًا بشأن الخلافات المُتزايدة بين أعضاء اللوائح، حتى تلك غير الهجينة منها، أي المُشكّلة من قوى مُنسجمة سياسيًا وحزبيًا، برز تصاعد الخلاف بين النائب سليم كرم و"تيّار ​المردة​" في دائرة "بشرّي–الكورة–​زغرتا​–البترون" بعد وُصول تسريبات إلى النائب كرم مفادها أنّه سيتم حصر "الصوت التفضيلي" لأنصار ومحبّي "المردة" في دائرة زغرتا الصُغرى، لصالح المُرشّحين الآخرين، أي النائب ​أسطفان الدويهي​ والمرشّح طوني سليمان فرنجيّة، باعتبار أنّ من غير المُمكن الفوز بثلاثة "حواصل إنتخابيّة" في زغرتا، ما يستوجب التضحية بأحد المُرشّحين الثلاثة لضمان فوز المرشّحين الآخرين.

وبالإنتقال إلى مرشّحي ما يُسمّى "المُجتمع المدني"، الذين لا يرتبطون بصلة بالأحزاب وبالتيّارات السياسيّة، فإنّ خلافات كثيرة ضربت هؤلاء المرشّحين بحيث شهدنا ولادة لوائح بالجملة للمُجتمع المدني بوجه بعضها البعض، من "بيروت الأولى" و"بيروت الثانية"، مُرورًا بدائرتي بعبدا و"الشوف–عاليه"، وُصولاً إلى دائرة "بنت جبيل–مرجعيون–حاصبيا–النبطيّة" وغيرها. وإضافة إلى فشل مرشّحي "المُجتمع المدني" في تشكيل لائحة واحدة وموحّدة في كل دائرة إنتخابيّة، وتوزّعهم على أكثر من لائحة متنافسة في أكثر من مكان، إختلف مُمثلو "المُجتمع المدني" على مبدأ الإنضمام إلى لوائح فيها مرشّحين حزبيّين من عدمه، إضافة إلى إعتبار بعض هؤلاء المرشّحين أنّ بعض الأسماء المرشّحة على لوائح "المُجتمع المدني" يُضعف فرص هذه اللوائح بدلاً من أن يُقويّها.

وفي الخلاصة، لا شكّ أنّ الخلافات المُتصاعدة على "الصوت التفضيلي" ستشتدّ في الأيّام القليلة بين المُرشّحين على اللوائح نفسها، بشكل يفوق الصراع على "الحاصل الإنتخابي" بين اللوائح المُتقابلة، والأرجح أنّ الخلافات الشخصيّة التي بدأت تتظهّر بين المُرشّحين ضُمن اللوائح نفسها، إن الهجينة وغير المنطقيّة منها أو تلك التي يُفترض أن تكون مُنسجمة من بينها، ستتحوّل عند ظُهور النتائج وتبيان حقيقة إتجاهات "الصوت التفضيلي"، إلى خلافات مُضاعفة وحتى إلى عداوات بين أعضاء اللوائح المُشتركة، وستتسبّب بأضرار داخليّة جسيمة لبعض الأحزاب والتيّارات.

(1) كان آخر فُصوله الضربات الصاروخيّة الأميركيّة – البريطانية – الفرنسيّة في سوريا، والضربات الإسرائيلية التي أوقعت خسائر في صُفوف القوات الإيرانية العاملة في سوريا، مع ما تحمله هذه التطوّرات من مخاطر كبرى في حال حُصول ردّات فعل عسكريّة على ما جرى.