لطالما كان ​لبنان​ مميزاً في مشاركته في القمم العربية، حتى في خلال "الوصاية" السورية عليه، كان حضوره محبباً، وحتى بعد انتهاء الوصاية بقي محط اهتمام العرب، انما في الوقت نفسه مصدر حذر وشك. في ​القمة العربية​ بالامس، بدا لبنان متقدماً على غيره من الدول العربية، فوفق نظرة العرب، تُعتبر سوريا الغائبة منذ العام 2011 مشكلة وازمة متجددة في كل قمة، وقطر ايضاً باتت موضع خلاف بسبب الحصار المفروض عليها من قبل السعودية والامارات ومصر، ويتم النظر الى العراق على انه قريب من ​ايران​ ويجب بالتالي المحافظة عليه قدر الامكان قبل ان يقع في احضان الايرانيين، وتبقى ليبيا واليمن منطقة عمليات عسكرية لن تهدأ في المدى القريب.

افضلية لبنانية اذاً كانت واضحة على بعض الدول، وما كان لافتاً في قمة الاردن العام الفائت، كانت المقاربة العربية للبنان التي جعلت تصرف الدول المشاركة تجاهه وكأنها بالفعل شقيقة وليس فقط بالقول. ولكن منذ سنة حتى اليوم، شهدت الاوضاع تغييرات كبيرة ان على الصعيد العسكري والامني والدبلوماسي، وبسبب هذه التطورات، تغيّرت النظرة الى لبنان وحاولت بعض الدول العربية ضمّه الى الدول التي يتم النظر اليها على انها "مشكلة" يجب حلها بسرعة بطرق المواجهة. ولكن هذه الحسابات لم تتطابق مع الواقع، ونجح لبنان رغم كل المشاكل والمتاعب التي لاحقته، ان يبقى عائماً على وجه المشاكل في المنطقة بدل ان يغرق فيها، وكان الاهتمام الدولي به وباستقراره عاملاً اساسياً في كسر التعامل معه من جهة التهديد والوعيد، والعودة الى سياسة اكثر ليونة ودبلوماسية.

كان غريباً للسنة الثانية على التوالي، ان يبادر لبنان خلال القمة العربية الى طرح الصوت لحل المشاكل وتقديم بعض الحلول في شأنها، فيما اعتاد العرب على طرح الحلول في شأن مشاكله. ولكن الاغرب كان في "الاحتضان" العربي له في ظل اتهامات وُجّهت اليه على انه مصدر خطر على ​العالم العربي​، وارضاً خصبة للتدخلات في الشؤون العربية. ولكن مرة جديدة، لم يتم التطرق الى هذه المسائل، ولا الى اي موضوع من شأنه ان يحرج لبنان، ولم يلق الموقف الذي اعلنه رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ عشية القمة من الضربات الاميركية والفرنسية والبريطانية على سوريا والتي لم تأت وفق ما يشتهيه البعض، اي ردود فعل سلبية، لا بل كان التفهّم سيد الموقف، حتى انه التقى العاهل السعودي والرئيس المصري على هامش القمة، ما يعني ان المرحلة الجديدة التي تلوح في الافق لا تتضمن اعتبار لبنان "مشكلة" بل بلد يجب الالتفاف حوله. فما الذي تغيّر حتى نصل الى هذا الاستنتاج العربي؟ في الواقع، لم يتغيّر شيء سوى الرغبة في استعادة الادوار على الساحة اللبنانية، فكل طرف اقليمي ودولي يرغب في تمنين هذا البلد بأنه الذي وقف الى جانبه وساعده على الثبات والانطلاق بقوة، وفي مقابل هذه المبادرة، يجب الحصول على نفوذ سياسي ودبلوماسي معيّن، وتعتبر ​الانتخابات النيابية​ الشهر المقبل، مناسبة صائبة و"ضربة معلم" للوصول الى هذه الغاية. ومع العلم المسبق بأن المجلس النيابي المقبل، وبعده ​مجلس الوزراء​، لن يغيّرا شيئاً في الواقع الاقليمي للمنطقة في ظل وجود الدول الكبرى على الساحة، الا ان ابقاء موطىء قدم في لبنان يراه الكثيرون انه امر بالغ الاهمية ولا يجب الاستهانة به، في ظل الوضع المتذبذب في سوريا والدخول الدولي على خطها والمطالبات بجوائز ترضية فيها للعديد من الدول.

لا يزال العديد من الدول العربية تتوجس من لبنان، ولكن في المقابل، لا يمكنها مقاطعته او معاداته او "فرض حصار" عليه والا خسرته وخسرت اي نفوذ لها فيه مهما كان حجمه، وبالتالي، يتهافت العرب على تدليل لبنان وإشعاره بأنه محط الاهتمام والانظار، وهذا كفيل بأن يستشعر المرء مدى اهمية الدور الذي يكتسبه لبنان في المنظومة الجديدة التي تُرسم للمنطقة، وقد يكون الوحيد الذي يحمل بطاقة حماية امنية، الا ان عليه ان يفرض نفسه للحصول على بطاقات حماية سياسية واقتصادية، ليس من الدول العربية، انما من دول القرار.