ليس من السهل الحسم أيهما الأسوأ القانون الإنتخابي ’’الأكثري‘‘ للعام 1968 أم القانون الإنتخابي "النسبي" الحالي.

القانون السابق أعطى للمحادل الإنتخابية الطائفية الدور المقرّر والحاسم في العملية الإنتخابية. والقانون الحالي أضاف لهذه "المحادل" طرفا آخر هو "أصحاب المال" الذين يمكنهم أن يكونوا عنصرا مؤثرا في الصوت التفضيلي الذي يمكن شراؤه طالما الرقابة الإنتخابية على الإنفاق المالي غير متوفرة بضوابط فعلية وطالما أن لجنة الإشراف على الإنتخابات لا تملك سلطة تقريرية ويعود الحسم في توصياتها إذا أُخِذَ بها للمجلس الدستوري. وفي هذا المجال في ​الإنتخابات النيابية​ السابقة كان هناك أكثر من 19 طعن انتخابي. وأما عدد المخالفات فوصل إلى 160 شكوى وأما المخالفات المرتبطة بخطاب الكراهية فرصدت هيئة الإشراف على الإنتخابات ما يزيد على 2616 مخالفة ارتكبتها وسائل الإعلام خلال التغطية الإنتخابية.

في التجربة تملك لجنة الإشراف على الإنتخابات سلطة معنوية لا سلطة فعلية وذلك أن القرار النهائي ليس لها إذ لا تُشكّل مرجعية خاصة بها فهي تابعة عمليا ل​وزارة الداخلية​ وهي سلطة سياسية مما لا يحرّر هذه الهيئة من الإستنساب السياسي إضافة إلى أنه لم يتوفر لها الإمكانات والوسائل اللازمة لممارسة الرقابتين الإعلامية والمالية سواء في الإنفاق المالي أو الإعلامي.

أيا يكن الأمر القانون الإنتخابي لا يحمي فكرة ديموقراطية الإنتخابات إذ جرَّد البعد الأكثري فيه من حرية الإختيار عندما فرض نموذج التصويت الكامل لللائحة وألغى البعد النسبي فيه حرية التشطيب عندما ألزم التصويت على اللائحة كاملة.. وأما الغاية فهي استبقاء الطبقة السياسية نفسها وإضافة عدد محدود من شركائها إلى عديد النواب. وأما طموح بعض "قوى التغيير" في ​المجتمع المدني​ إلى دخول عتبة ​مجلس النواب​ عبر نافذة هذا القانون فهي في غير محلها. فكما توهمت هذه القوى في حراكها السابق أن النظام السياسي سريع السقوط تقع في الخطأ نفسه عندما تظن بأن القانون الإنتخابي الحالي يوفر لها فرصة للمشاركة في الحياة البرلمانية.

والواقع أن التغيير الفعلي غير ممكن إلا ببناء قوى فعلية في المجتمع المدني تشدّد على فكرة الدولة المدنية والعدالة الإجتماعية ومواجهة ​الفساد​... وهذا يتطلب وقتا وجهدا استثنائيا ذلك أن الطوائفية السياسية متجذرة ومواجهتها تتطلب وقتا وسلما أهليا وخروجا من المشاريع الطوائفية التي لا تبني وطنا ولا تبني طوائفها.