قد لا يختلف إثنان على أن القانون الانتخابي الراهن، المفترض أن تجري الانتخابات البرلمانية المرتقبة بموجبه، يحقق شيئاً من العدالة في التمثيل، كذلك يسهم في الحدّ من "المحادل الانتخابية"، ومن تهميش شرائح كبيرة من المواطنين، والتي غاب ممثلوها عن المجلس النيابي في ظل القانون الأكثري السيء الذي تحكّم في الحياة السياسية اللبنانية منذ نشأة هذه الدولة في عشرينيات القرن الفائت، وكان مجحفاً على الصعيد التمثيلي لقوى سياسية عدّة، لا سيما منها صاحبة الخطاب الوطني العام، وحرمها من الوصول إلى البرلمان.

إلا أن للقانون الحالي مساوىء عدّة لا بل خطرة أيضاً، وأبرزها تقسيم الدوائر الانتخابية على أسس مذهبية وطائفية، الأمر الذي يعزز الخطاب الطائفي والمذهبي الغرائزي، خصوصاً في الحملات الانتخابية، بهدف شدّ عصب الناخبين، ما يؤدي إلى إنتاج مجلس نيابي طائفي بامتياز، أشبه بحلبة صراع للقوى المنبثقة عن الاصطفافات الطائفية والمذهبية. ويهدد هذا الواقع الأمن القومي اللبناني، خصوصاً في ضوء النزاعات والصراعات ذات الأبعاد المذهبية في المنطقة، والخوف من أن يصل لظاها الى لبنان، في محاولة لاستهداف المقاومة فيه بعد الانتصارات التي يحققها محورها في كلّ من سورية والعراق.

ومن أحد أبرز المساوىء أيضاً للقانون المذكور، أن حزب الله الذي يشكل العمود الفقري للمقاومة في المنطقة، وهو في صدد الإعداد للبدء في ورشة إصلاحية في البلاد، سيجد نفسه وسط هذه الأجواء المذهبية، مجبراً على التحالف مع فريق سياسي يشنّ كل معاركه السياسية ويجري غالبية تعييناته الإدارية، على أسس مذهبية، فيضطر الحزب بالتالي إلى مساندة حليفه في معاركه، حفاظاً على وجوده السياسي في البلد، ويصبح في هذه الحالة شريكاً مع الفريق المذكور، وتتعثر بذلك فرص الإصلاح المرتجى، اذا لم نقل إنها ستنعدم.

وفي محاولاتٍ لشدّ عصب الناخبين، يقيم المرشحون حفلات زجل للمزايدة في الخطابات المذهبية، وإطلاق الاتهامات وتبادلها، كما حدث أخيراً بين الرئيس ​نجيب ميقاتي​ والنائب ​محمد الصفدي​ الذي بالغ في الكلام المذهبي إرضاءً لتيار المستقبل، علّ هذا التيار يسمّي النائب الطرابلسي رئيساً لحكومة انتقالية إذا شاءت الظروف، على حدّ قول مصادر سياسية طرابلسية، مؤكدةً أن الماكينة الانتخابية التابعة للصفدي تصدّعت، بعد عزوفه عن الترشح.

وبلغت المعارك الانتخابية ذروتها بين ميقاتي والتيار الأزرق، وتدور رحاها في الساحة الطرابلسية، والسلاح الأمضى الذي يستخدمانه، محاولات متبادلة لتفشيل مهرجاناتهما الانتخابية، من خلال تقديم الرشى للمفاتيح الانتخابية. وسُجّل للفريقين المذكورين بعض النجاحات في ذلك، حيث تمكّن تيار العزم من إفشال مهرجان لأحمد الحريري في منطقة أبي سمراء، وأطلق عليه اسم "مهرجان حاشد للكراسي البلاستيكية الفارغة"، كذلك أفشل التيار الأزرق مهرجاناً للميقاتي أمام مسجد البشير في محلة القبة لم يشارك فيه سوى العشرات، بحسب ما تؤكد مصادر طرابلسية.

والأسوأ من كل ما ذكر، أن بعض القوى الفاعلة تعاطت في الانتخابات السابقة مع المواطن وفقاً لمنطق الزبائنية، مستغلةً فقره وعوزه، فتحوّلت بعض المراكز الانتخابية للأسف، أشبه بمقارّ للتسوّل، وهو ما يسري أيضاً في الانتخابات الحالية، لأن بعض السياسيين وبعض اللبنانيين اعتادوا على هذه الظاهرة الشاذة