عندما يتناول الحديث الإنتخابي دائرة "بشرّي–الكورة–البترون–زغرتا"، تفرض أسئلة عدّة نفسها، أبرزها: هل ستتمكّن ​القوات​ من الإحتفاظ بمقاعدها النيابيّة الأربعة في هذه الدائرة بعد تغيّر التحالفات؟ وهل سيتمكّن وزير الخارجية ​جبران باسيل​ الذي خسر معركتيه الإنتخابيّتين في دورتي العام 2005 و2009 من الفوز بهذا المقعد هذه المرّة؟ وهل سيتمكّن النائب ​بطرس حرب​ من الإحتفاظ بالمقعد النيابي الذي بقي فيه لأكثر من أربعة عُقود ونصف(1)؟ وهل سيتمكّن "​الحزب القومي​ السوري الإجتماعي" من إستعادة تمثيله النيابي في دائرة "الشمال الثالثة"؟ وهل سيتمكّن رئيس "حركة الإستقلال" ميشال معوّض من الدخول إلى ​المجلس النيابي​؟ وهل سيتمكّن النائب سامر سعادة-بقوّة حزب "الكتائب ال​لبنان​يّة" الذاتيّة، من الفوز بالمقعد الذي كان يشغله والده عن البترون، بعد أن كان قد إستفاد من نيابة غير عاكسة لتمثيله الشعبي عن مدينة طرابلس في الدورة الماضية؟. لكن السؤال الأهم هو غير كل ما سبق، وهو يخصّ "تيّار المردة" دون سواه، فهل سيُثبت "المردة" إمتداده الشعبي في المنطقة، وهل سيحظى بكتلة نيابيّة تُخوّله المُطالبة بمنصب رئاسة الجُمهوريّة؟.

لا شكّ أنّ فوز أو خسارة النائب حرب أو النائب سعادة أو السيد معوّض ستُمثّل خسارة شخصيّة مناطقيّة، وخسارة أو فوز "القوات" أو "القومي" بنائب إضافي أو بنائب أقل لا تُغيّر التوازنات الداخليّة، وحتى أنّ فوز أو خسارة النائب باسيل مُهمّة ومُؤثّرة طبعًا على مُستواه الشخصي، لكنّها لن تؤثّر على ثقل أو على تمثيل "التيار الوطني الحُرّ" على مُستوى لبنان، علمًا أنّ باسيل تبوّأ أعلى المناصب الوزاريّة على الرغم من خسارته الإنتخابات النيابيّة مرّتين. ولكن في ما خصّ "تيّار المردة" فإنّه يتميّز عن باقي القوى والأحزاب والشخصيّات السياسيّة في دائرة الشمال الثالثة بكونه يخوض معركة مصيريّة، لأنّ "تيّار المردة" بحاجة إلى إثبات زعامة طوني سليمان فرنجيّة أوّلاً، وإلى إثبات تمتّع "المردة" بدعم شرائح شعبيّة واسعة في المنطقة له، وكذلك إلى تشكيل كتلة نيابيّة مقبولة نسبيًا لأنّ معركة الزعامة المسيحيّة على أشدّها، ومعركة رئاسة الجمهوريّة تبدأ من الإنتخابات النيابيّة. وعلى الرغم من أنّ موازين القوى الإقليميّة والدَوليّة، والظروف الداخليّة، والتفاهمات المختلفة، تؤثّر بشكل حتمي على هويّة المرشحين إلى منصب رئاسة الجمهوريّة، فإنّ رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" الوزير جبران باسيل يعمل من اليوم على معركته الرئاسيّة، حيث أنّه يسعى لأن تكون كتلة "التيّار" الأكبر والأقوى بفارق كبير عن باقي الكتل المسيحيّة المنافسة، ليقول إنّ رئيس هذه الكتلة هو ممثّل الطائفة المسيحيّة وهو الشخص الذي يستحقّ خوض المعركة الرئاسيّة. ورئيس حزب "القوّات" ​سمير جعجع​ ليس بعيدًا عن المنطق الداعي إلى حصر المُنافسة الرئاسيّة، بالأقوياء في طائفتهم على مُستوى التمثيل النيابي والشعبي فقط لا غير.

وبالتالي، من هذا المُنطلق، لا يكفي أنّ ينسج "تيّار المردة" علاقات سياسيّة إستراتيجية مع "​حزب الله​" وتفاهمات سياسيّة وشخصيّة مع "تيّار المُستقبل" للوُصول إلى موقع الرئاسة، لأنّ "التيّار الوطني الحُرّ" يقوم بالمثل. كما أنّ "الوطني الحُرّ" مُتوافق ضُمنًا مع "القوات" على أنّ ترشّح أي شخصيّة مارونيّة إلى منصب رئاسة الجُمهوريّة يجب أن ينطلق من قاعدة تمثيل شعبيّة واسعة، ومن كتلة نيابيّة وازنة، وهو ما يعمل عليه كلّ من باسيل وجعجع من اليوم. وهذا السباق يستوجب أن يُكثّف "تيّار المردة" جُهوده لرفع حُظوظ مرشّحيه كلّهم، من دون إستثناء، لزيادة عدد كتلته النيابيّة وليكون قادرًا على الحديث عن تمثيل مسيحي وازن يسمح بترشّح النائب سليمان فرنجيّة في الدورة المُقبلة من الإنتخابات الرئاسيّة.

وبحسب خريطة التحالفات النيابيّة في دائرة "الشمال الثالثة"، من الصَعب التكهّن بحجم الحاصل الإنتخابي الذي ستناله كل من اللوائح الأربعة التي تتنافس على 10 مقاعد (7 موارنة و3 أرثوذكس) في دائرة "بشرّي–الكورة–البترون–زغرتا"، على الرغم من التقديرات الأوّلية التي تتحدّث عن تقاسم المقاعد بين اللوائح الثلاث السياسيّة، باعتبار أنّ فرصة اللائحة الرابعة غير المُكتملة المدعومة من "المجتمع المدني" ضعيفة. والواضح أنّ "تيّار المردة" في "الشمال الثالثة" تأثّر سلبًا بخسارته دعم "التيّار الوطني الحُرّ" للائحته المدعومة أيضًا من "الحزب القومي السوري الإجتماعي"، وهو يواجه أيضًا مشاكل على مُستوى "الصوت التفضيلي" في زغرتا، بسبب عدم القُدرة على تأمين وُصول ثلاثة نوّاب(2). لكنّه في المُقابل كسب هذه المرّة دعم مُناصري النائب بطرس حرب، وجزءًا مُهمّا من مُناصري "تيّار المُستقبل" في المنطقة، علمًا أنّ دور الناخبين المُسلمين، وبالتحديد السنّة (عددهم 9976 في زغرتا، و8626 في الكورة، و3764 في البترون، و109 في بشرّي، بمجموع 22,475 ناخبًا) مُهم ومؤثّر، وهو سيمنح تقدّم لائحة على أخرى ويؤمّن فوز مُرشّح على آخر.

وفي الخلاصة، وفي ظلّ توقّع أن يُصوّت نحو نصف الناخبين في دائرة "بشرّي–الكورة–البترون–زغرتا" فإنّ "الحاصل الإنتخابي" مُقدّر بنحو 12500 صوت، وكذلك فإنّ المعركة بين اللوائح السياسيّة الثلاث الأساسيّة ستكون على الكسر الإنتخابي، حيث تضمن كل من لائحة تحالف "القوات–الكتائب–اليسار الديمقراطي" ولائحة تحالف "المردة–القومي–النائب بطرس حرب" إضافة إلى "المُستقبل" الذي يدعم ترشيح النائب نقولا غصن، ثلاثة مقاعد، بينما تضمن لائحة تحالف "التيار الوطني الحُرّ–ميشال معوّض" إضافة إلى بعض أصوات "المستقبل" مقعدين، ما يحصر المعركة بحسب التقديرات على مقعدين من أصل عشرة مقاعد. ويُمكن القول إنّ معركة "تيّار المردة" مصيريّة في الشمال الثالثة لأنّ الفشل بتشكيل كتلة نيابيّة بعدد مقبول، سيُضرّ بالطُموحات الرئاسيّة لرئيس "المردة" الوزير السابق سليمان فرنجيّة.

(1) مع إستثناء دورة العام 1992 التي أخذ فيها مع غيره من القوى والشخصيّات قرار مُقاطعة الإنتخابات.

(2) طفت خلافات على السطح بين مرشّحي "المردة" على "الصوت التفضيلي" وأبرزها بين النائب سليم كرم وباقي المرشّحين بعد تسرّب إشاعات عن نيّة قيادة "المردة" حصر "الأصوات التفضيلية" في زغرتا بالمرشّحين طوني فرنجية والنائب أسطفان الدويهي، الأمر الذي دفع النائب فرنجيّة إلى الإجتماع بالنائب كرم والعمل على حلّ الموضوع.