قبل إجراء الدورة السابقة من ​الإنتخابات النيابية​ في العام 2009، كانت مُختلف القوى والأحزاب والتيّارات مُتموضعة في خط سياسي واضح، بحيث كانت المعركة تدور على الأغلبيّة العدديّة في المجلس لكل من قوى "8 آذار" بالتحالف مع "التيّار الوطني الحُر" من جهة، ولقوى "​14 آذار​" من جهة أخرى. في المُقابل، وعلى بُعد أسبوع واحد من الدورة المُقبلة من الإنتخابات النيابيّة، تتركّز الأنظار على الحجم الذي سيناله كل حزب وكل تيّار وبعض القوى السياسيّة المُتفرّقة، مع إستثناء وحيد يتمثّل في إحتساب "​حزب الله​" حجم الكتلة النيابيّة التي ستكون مُؤيّدة من دون تردّد لمحور "المُقاومة والمُمانعة". ووسط هذه الأجواء، من هي القوى التي ستحكم لبنان بعد الإنتخابات؟.

بداية، لا بُد من الإشارة إلى أنّ مفهوم الإنقسام العمودي السابق بين قوى "8 و14 آذار" قد سقط منذ سنوات، وهو مُرشّح لأن ينتهي كليًا بعد ظُهور نتائج إنتخابات السادس من أيّار 2018، من دون أن يعني ذلك أنّ حقبة الإنقسامات السياسيّة الداخليّة قد ولّت، بل إنّ التموضعات إزاء العناوين الخلافيّة الكبرى تبدّلت، بحيث من المُرجّح أن تُصبح التحالفات على القطعة، وأن يُصبح الإنقسام على القطعة أيضًا. والأكيد أنّ مُختلف القوى السياسيّة تُعطي أهمّية كُبرى للإنتخابات، لتظهير حجمها الشعبي وبالتالي لإثبات حجمها السياسي. وفي هذا السياق، يبرز خُصوصًا سعي "التيّار الوطني الحُرّ" إلى تشكيل كتلة نيابيّة كبيرة تحت عنوان دعم العهد الرئاسي، وكذلك سعي "تيّار المُستقبل" إلى الفوز بأكبر عدد مُمكن من المقاعد النيابيّة لتأكيد مرجعيّته في الساحة السنّية، وبالتالي لحجز مقعد رئاسة الحكومة مُجدًدًا لرئيس "المُستقبل" سعد الحريري. ولا شك أنّ التقاطع بين كل من التيّارين "البُرتقالي" و"الأزرق" على أكثر من مُستوى، هو أحد أبرز العلامات الفارقة بين مرحلة ما بعد إنتخابات العام 2009، ومرحلة ما بعد إنتخابات العام 2018.

فبحسب المَعلومات المُتوفّرة إنّ عودة كل من "التيّار الوطني الحُرّ" و"تيّار المُستقبل" إلى السُلطة التنفيذيّة بقُوّة بعد الإنتخابات محسوم ومُتفق عليه بين الطرفين من اليوم، حتى ولوّ جرى نفي هذا الأمر في الإعلام. من جهة أخرى، الأكيد أنّ "حزب الله" الذي يحرص على رفع عدد نوّاب القوى المُؤيّدة لمحور "المُقاومة والمُمانعة" في الإنتخابات، يُخطّط لأنّ تتمثّل هذه القوى في الحُكومة بالشكل الذي يعكس حجمها الذي سيتظهّر بعد نحو أسبوع من اليوم. وبالنسبة إلى حزب "القوّات اللبنانيّة" فهو حريص على أن يعود إلى السُلطة التنفيذيّة بما لا يقلّ عن ثلاثة وزراء في حال كانت الحُكومة ثلاثينيّة، وطبعًا في حال كانت كتلته النيابيّة لا تقلّ عن حجم الكتلة الحالية، وهو أمر شبه محسوم بحسب التقديرات الإنتخابيّة. لكنّ عودة "القوّات" بقُوّة إلى السُلطة التنفيذيّة تتوقّف-إضافة طبعًا إلى حجم الكتلة التي ستفوز بها، بالقوى التي سيختارها رئيس الحكومة المُقبل على طاولة المجلس، لإيجاد التوازن مع القوى المؤيّدة لحزب الله. وفي ما خصّ "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" فإنّ مسألة تَمثّله بوزيرين في الحُكومة المقبلة، مُرتبطة إرتباطًا وثيقًا بحجم الكتلة التي سيتمكّن رئيس "الإشتراكي" النائب الحالي وليد جنبلاط من تشكيلها، في ظلّ المُنافسة الحادة التي يتعرّض لها من داخل "البيت الدُرزي" أوّلاً، وفي ظلّ الموُاجهة السياسيّة الشرسة التي يتعرّض لها من أكثر من جهة سياسيّة. ولا شكّ أنّه وإذا كان تمثيل قوى مثل "تيّار ​المردة​" و"​الحزب القومي​ السوري الإجتماعي" وغيرهما، يتوقّف على النتائج التي سيُحقّقوها في الإنتخابات، وعلى حجم التجيير الوزراي–إذا جاز التعبير، الذي سيُقوم به "الثنائي الشيعي" لصالحهما، فإنّ تمثيل الأحزاب الصغيرة نسبيًا التي كانت محسوبة على قوى "14 آذار"، ومنها مثلاً حزب "الكتائب"، مرتبط بحجم الكتلة التي سينالها، وبالموقف الذي سيتخذه "الحزب" لجهة الإستمرار بالمُعارضة أو العودة إلى الحُكومة. والأمر نفسه ينطبق على بعض الشخصيّات السياسيّة التي كانت تُصنّف "مُستقلة" والتي كانت تُمثّل أيضًا في السُلطة التنفيذيّة ولوّ بشكل محدود، بحيث لا يُعرف من اليوم حجمها في المجلس التشريعي المُقبل، ولا موقفها السياسي العريض لجهة الإندماج بالسُلطة أو مُعارضتها. ولا ننسى الإشارة إلى اللوائح المُتعدّدة المحسوبة على قوى "المُجتمع المدني"، والتي يتوقّف تمثيلها في السلُطة التشريعيّة على مدى تصويت الناخبين لصالحها، بينما يتوقّف تمثيلها في السُلطة التنفيذيّة على قرارها بالدُخول إلى السُلطة أو بالبقاء في صُفوف المُعارضة، وهو قرار سابق لأوانه في إنتظار نتائج عمليّة الإقتراع.

في الخلاصة، لا شكّ أنّ القوى الثابتة التي ستحكم لبنان بعد الإنتخابات، هي كل من "التيّار الوطني الحُرّ" و"المُستقبل" و"الثنائي الشيعي"، وعلى الأرجح "القوّات" و"الإشتراكي"، بينما يتوقّف وُجود باقي القوى في السُلطة التنفيذيّة على الحجم الشعبي التمثيلي الذي ستناله في الإنتخابات، وعلى مدى إستعداد قوى السُلطة الأساسيّة لأن تتنازل عن مقاعد وزاريّة لصالحها.