اندلعت الاسبوع الفائت مواجهة من العيار الثقيل بين ​لبنان​ من جهة و​الامم المتحدة​ و​الاتحاد الاوروبي​ من جهة ثانية، على خلفية موضوع ​النازحين السوريين​. وما كان من المفترض ان يكون تنسيقاً وتكاملاً بين الطرفين الدولي واللبناني في سبيل ايجاد حل لازمة النازحين، تحوّل بسرعة البرق الى خلاف لم تنته تداعياته بعد، ولو ان نسبة تصاعده خفّت كثيراً.

في المبدأ، للبنان الحق ان يرفع صوته ويرفض كل ما من شأنه ان يخالف دستوره وارادة ابنائه، خصوصاً بالنسبة الى ازمة النازحين السوريين التي القت بثقلها على كاهله، وما صدر عن مؤتمر "بروكسل-2" يصب حتماً في خانة عدم قبول لبنان بما يتعارض مع حقوقه. واللافت ان البيان المشترك والمقسّم الى اجزاء، ابقى على حق حصول الدول المستضيفة للنازحين على دعم مادي وبرنامج مساعدات على مستويات عدة، ولكن ما ورد في البند رقم 16 منه وتحت قسم "الوضع الانساني"، شكّل اصل الازمة لما تضمنه من عبارات تعطي النازحين الحقّ في العودة الطوعيّة وفي تقرير البقاء في البلد الذي يستضيفهم، وفقا للقانون الانساني الدولي. كما شكلت العبارات الواردة في مكان آخر من البيان لجهة الاندماج في سوق العمل، ساحة مواجهة اخرى. اللافت في البيان الدولي، اعترافه غير المباشر بأن لبنان يستضيف الحصة الاكبر من النازحين السوريين خارج ​سوريا​. فوفق الارقام الواردة في البيان نفسه، هناك 12 مليون ونصف المليون سوري مهجرين، بينهم 5 ملايين و600 الف خارج سوريا، و6 ملايين و600 الف تهجّروا من منطقة الى اخرى داخل سوريا. هذا يعني ان لبنان الذي يستضيف نحو مليون و850 الف نازح سوري، يتحمّل لوحده نحو نصف العدد العام للنازحين خارج سوريا، وهو امر بالغ الاهمية لبلد بامكانات قليلة. اما الامر الاكثر اهمية فيكمن في تركيز البيان على تخصيصه مبالغ مادية للنازحين لسنتين مقبلتين على الاقل، وعلى وجوب العمل على فئات ​الشباب​ منهم للمرحلة المقبلة. هذا يعني ان الازمة السورية لن تنتهي قريباً، وان المجتمع الدولي ليس متحمساً لاعادة النازحين الى بلادهم.

هنا، كان المسؤولون في لبنان امام خيارين: اما التصعيد الكامل واعلان "الطلاق" مع منظمات الامم المتحدة المعنيّة ب​اللاجئين​ ومع الاتحاد الاوروبي وربما طرد موظفّيها من لبنان، واما رفع الصوت عالياً للتحذير مما يحصل ودفع اصحاب البيان الى اعادة النظر بمضمونه. ولحسن الحظ اختار لبنان الخيار الثاني، الذي يحافظ على حقوقه من جهة، ويبقي العلاقة مع الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي على حالها من جهة ثانية. وهذا ادى الى اصدار بيان محلي من قبل المنظمتين، شددتا فيه على ان العبارات التي يعترض عليها لبنان غير معنيّ بها وهي مخصصة للسوريين داخل سوريا، ولكن البيان التوضيحي (اتى وللمصادفة بعد زيارة قام بها السفير البريطاني لدى لبنان الى ​قصر بعبدا​)، لم يوضح لماذا غاب عن البيان الاصلي ما تضمنه البيان الثاني من أن أي تغيير في وضع النازحين سيكون وفق القوانين اللبنانية ومنها خضوعهم للعمل.

وما يثير الاستغراب كذلك، هو عدم اعتراض الدول الاخرى المعنية بالنازحين على ما ورد في البيان، ومنهم ​الاردن​ و​تركيا​ مع الاشارة الى أنّ البيان اشاد بالخطوات التي اتخذتها تركيا للسماح للنازحين بالعمل. ولعل الخلاف الحقيقي الحاصل مع لبنان، هو انه على عكس تركيا والاردن، لا يتمتع بمساحات جغرافية كبيرة، ولا يحتمل اي تغيير ديمغرافي في نسيجه الوطني، كما انه لا يعامل النازحين كغيره من الدول لجهة حصرهم في مكان معيّن وفرض قوانين صارمة عليهم، وهو امر دفع ثمنه غالياً لجهة التأثير الامني والاجتماعي والطبي الذي ارتد سلباً على اللبنانيين.

لن تتجه الامور الى حدّ القطيعة بين لبنان والعالم، ولكن من المؤكد انها بداية اشارة الى شيء ما يتم تحضيره للبنان في الخطة الجديدة المرسومة للمنطقة، ويجب التنبّه مما يحصل، دون الامعان في تخطي السقف، حفاظاً على مصلحة لبنان واللبنانيين.