أوحى التصعيد الخطابي الذي مارسه كلٌ من رئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​، ووزير الخارجية ​جبران باسيل​، خلال الاسابيع القليلة التي سبقت موعد ​الانتخابات النيابية​، وكأن الإثنين يعانيان من أزمة في تسويق مرشحي تيارهما عند الناخبين. لا يوجد تفسير آخر. لم يستطع الخطاب السياسي الهادئ عند رئيس الحكومة ووزير الخارجية في البداية، من جذب الناخبين الى لوائح التيارين: الازرق والبرتقالي. شعر الحريري أن لا استجابة لاستنهاضه الشارع. رفع من منسوب الخطاب، الى حد استحضار كل عناوين المعارك السياسية لتموضعات لم تعد موجودة، منذ تأليف الحكومة الحالية. استعان الحريري بأجواء مضت، وبمصطلحات قديمة. هذا ما إقتضته المعركة الانتخابية الآن. لكن التجاوب كان خجولاً. فهاجم ومرشحوه، "​حزب الله​" مباشرة، ودمشق، وطهران. تلك هي "الشمّاعة". لم تنفع كما كان يشتهي "الزرق". الى أن ازداد التوتر، وانعكس صراعاً في الشارع بين جمعية "المشاريع الخيرية الاسلامية"، وانصار "المستقبل".

اكثر من الحريري، مضى باسيل يستنهض الهمم البرتقالية. لكن تكرار العناوين السياسية في جولات وزير الخارجية كان لا يلقى الصدى. لم يجذب المواطنين. فإخترع "معركة وهمية"، استدعى من اجلها الهجوم المتجدد على حركة "أمل". لم يقف باسيل عند حد، بل خرق الخطوط الحمر في تهجّمه على رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، كما يعتبر مناصرو رئيس المجلس. لم يكتفِ باسيل بالهجوم على حركة "أمل"، بل هاجم على "القوات"، بإعتبار أن رئيسها ​سمير جعجع​ يسعى إلى "السباق مع رئيس "الوطني الحر".

الإثنان البرتقالي والازرق فرضا توتراً سياسياً: الحريري وباسيل، عملا بخطاب عالي النبرة يوجّه سهاماً مشتعلة ضد الخصم.

اللافت ان الاثنين توليا الهجوم السياسي العنيف. الحريري هاجم "حزب الله"، وباسيل هاجم حركة "أمل". الهدف ذاته: تحصيل مزيد من المقاعد النيابية، بعد ايقاظ التباينات بين القوى المذكورة. لكن التهجمات إستولدت مزيداً من الغضب الشعبي، سيؤدي بالمقابل، الى رفع نسب التأييد "للثنائي الشيعي"، جنوباً وبقاعاً.

ماذا سيفعل التياران بعد الانتخابات؟ هنا تبدو الأزمة في حال أصرّ الفريقان على التصعيد. هناك من يقول ان الخطابين الازرق والبرتقالي ينتهيان بعد اعلان النتائج. لكن، في حال بقيت التداعيات، سينعكس الامر على الحكومة المقبلة. سيتعرقل التأليف السريع، وتتراكم المطبّات. اول المتضررين سيكون العهد. حتى الساعات الماضية، كان الحرص واضحاً على ابقاء رئيس الجمهورية ميشال عون بعيدا عن التصعيد الخطابي. غير ان كلام باسيل يوسّع في الهوة بين البرتقاليين وحركة "أمل"، الى حدود الخشية من تداعيات سياسية بعد الانتخابات النيابية تصل شظاياها الى بعبدا. سيتموضع الأفرقاء الآخرون عند الإثنين. فهل نكون أمام جبهتين سياسيتين متقابلتين؟.

ستفرز نتائج الانتخابات واقعاً جديداً، قد يصل الى حد تشكيل جبهات سياسية في وجه التيارين الازرق والبرتقالي. لن يكون بمقدور باسيل القول بأنه يمثّل الأكثرية، لأن "جبهة سياسية" منتخبة ستفقده عنوان احتكار الاكثرية، وخصوصا عند المسيحيين. توحي بذلك وقائع جزين والشمال والبقاع وجبل لبنان. كما أن الإصطفاف البرتقالي ضد "القوات"، سيزيد من رص جبهات المشاكسة النيابية الوازنة للتيار "الوطني الحر". قد يُقدم سمير جعجع ضُمناً على تغذية الجبهات المعارضة لباسيل.

في الساحة السنية، الامر مشابه، بوصول نواب يناهضون سياسة الحريري. سيعود الى ساحة النجمة أخصامه السياسيون التقليديون، لتأليف جبهة تُفقده عامل إمساك الساحة المذكورة. قد يُقدم رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي ضُمناً على تغذية الجبهات المعارضة للحريري أيضاً.

ستحمل نتائج الانتخابات النيابية وقائع جديدة، ربما هي التي فرضت خطابات عالية عند البرتقاليين والزرق. لكن، لا يبدو ان تلك الخطابات سوف تحقق مبتغاها في رفع نسب الاقتراع تأييداً للتيارين المذكورين. الترقب يمتدّ الى نهار الاثنين المقبل. اي خطاب؟ وأي تداعيات؟ بقاء السلبية سيطيل من عمر الجمود السياسي والمراوحة في التأليف الحكومي الى أمد بعيد.