أخيراً، تسنّى ل​لبنان​يين ممارسة حقهم الديمقراطي في عملية اختيار ممثليهم في الندوة البرلمانية، ومرّ قطوع ​الانتخابات​ بسلام، رغم بعض الإشكالات الأمنية التي رافقته وأعقبته، والتي تعامل معها ​الجيش اللبناني​ والأجهزة بمناقبية وانضباطية عالية، فنجحوا في تطويقها،كما أسهمت نداءات بعض المسؤولين السياسيين في التخفيف من احتقان الأجواء المشحونة التي رافقت الاستحقاق وتلته، ربما لأنهم يدركون أن الظروف الداخلية والإقليمية والدولية الراهنة غير مؤاتية لافتعال أي مغامرة أمنية في البلاد، كذلك فإن الشعب قال كلمته ومنح ثقته لأغلبية برلمانية تجمع على مسألة استراتيجية هي حفظ المقاومة، في ضوء استمرار التهديدات “الإسرائيلية” والتكفيرية للبنان والمنطقة.

ومع وصول هذه الغالبية النيابية إلى سدة البرلمان، سقطت بذلك المراهنات الخارجية والداخلية على محاولات استهداف من المقاومة من داخل بيئتها، والسعي إلى اختراقها في شارعها من خلال إبراز ما يسمى ​المجتمع المدني​، وتقديم كل أشكال الدعم لمرشحيه في الانتخابات الأخيرة، والمرحلة التي سبقتها، لا بل حدثت ردود أفعال عكسية في شارع المقاومة، حيث شهد أعلى نسبة اقتراع في لبنان صبّت لمصلحة لوائح “الوفاء والأمل”.

كذلك لم تجد نفعاً محاولة الضغط على أصحاب رؤوس المتداولة أو المحفوظة في المصارف، المقربين من المقاومة في لبنان، من خلال التلويح بإتخاذ عقوبات مالية في حقهم، بهدف ترهيبهم، لثنيهم عن تمسكهم بخطهم السياسي.

بعد كل هذا الضغط الخارجي والداخلي لمحاولة تحجيم المقاومة، وتجويفها من بيئتها الشعبية، جاءت النتائج عكسية، وحقق ​حزب الله​ وحلفاؤه اكتساحات في المعركة الانتخابية،بين مختلف المكونات المذهبية للمجتمع اللبناني، خصوصاً في الشارع السُّني، حيث وصل عدد النواب المؤيدين لخط المقاومة إلى أكثر من سعبين.

أمام هذا الواقع، وبعد إعادة التيارات والأحزاب إلى أحجامها الحقيقة، خصوصاً “تيار المستقبل”، صار لزاماً على الرئيس ​سعد الحريري​ السير بين النقاط للحفاظ على موقعه في السرايا الكبيرة، الأمر الذي لم يعد محتوماً بعد بروز التشكيلة البرلمانية ​الجديدة​، التي أعطت لحزب الله وحلفائه ​حق النقض​ “الفيتو” السياسي في إدارة البلد.

وليس بعيداً أن ينضوي النائب ​وليد جنبلاط​ في حلف سياسي مع فريق المقاومة، خصوصاً بعد التوتير الذي شهدته علاقته مع الحريري في الآونة الأخيرة، الأمر الذي يؤدي إلى نهاية حلف “14 آذار”إلى غير رجعة.

وعن التهديدات “الإسرائيلية” الأخيرة للبنان وتعليقات العدو على نتائج الانتخابات، تستبعد مصادر ​سياسة​ ودبلوماسية إمكان شنّ عدوان جديد على لبنان، وتعتبر أنها لا تعدو سوى تهويل، فلا مصلحة للغرب بافتعال حربٍ في لبنان، الذي يحتضن نحو مليون نازح سوري، خوفاً من فرارهم إلى الدول الأوروبية.

بالإضافة إلى عامل وجود النازحين، بات من المؤكد أن فوز المقاومة في الانتخابات الأخيرة، يسهم في تضييق الهامش السياسي الذي قد يستغله لعدو لشن عدوان عليها، إلى جانب عنصر قوتها الأساسي، وهو جهوزيتها الحربية، خصوصاً بعد قتالها ​المجموعات التكفيرية​ في سورية على مدى سبعة أعوام، وتلازم جبهة جنوب الأخيرة مع ​جنوب لبنان​، بعد سقوط اتفاق “فض الاشتباك” بين دمشق والعدو في العام 1974.