كعادته، لم يتخذ الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ قراراً مفاجئاً عندما اعلن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع ​ايران​ الذي تم توقيعه العام 2015، وكانت الولايات المتحدة عرابته ورأس الحربة فيه، وما اعلنه الثلاثاء الفائت، اظهر ان هذا الرئيس الاميركي لا يتمتع بعنصر المفاجأة، لانه يعلن عن قراراته قبل اتخاذها بوقت طويل، انما تبقى ساعة التنفيذ هي الوحيدة التي يملك وقت الاعلان عنها.

عملياً، وللوهلة الاولى، تبدو واشنطن رابحة من هذا القرار، كونها تحدت العالم وسارت عكس التيار ووقفت في وجه ايران وحظيت بتأييد خجول ولكن علني من: ​اسرائيل​، ​السعودية​، ​الامارات​ و​البحرين​ وربما تنضم بعض الدول المتفرقة الى هذا العدد. ولكن، وعلى الرغم من غياب المنطق والقراءة الشاملة في قرارات ترامب، يمكن القول ان ايران هي الرابح من هذا القرار لاسباب عدة لن نذكرها كلها، ولكن من الناحية العسكرية، لا يبدو ان ايران في خطر مواجهة حرب عنيفة او على مستوى كبير لسبب وحيد وهو ان الولايات المتحدة وحتى مع وجود ترامب، غير قادرة على الغرق في مستنقع جديد في اي بقعة من العالم، والشعب الاميركي لن يرحم اي رئيس سيزجّ بالجنود الاميركيين في حرب لا يعلم احد كيف ستنتهي. صحيح ان ترامب لا يمانع في خوض معارك، انما شرط ان تكون من بعيد اي بمعنى آخر لا تحتاج الى تواجد ميداني لوحدات الجيش الاميركي، فيتم الاكتفاء بالقصف من بعيد (جواً براً او بحراً)، دون السماح بخوض معارك ميدانية قد ينجم عنها سقوط عدد كبير من الجنود الاميركيين وعودتهم الى ديارهم في مشهد مماثل لما حصل في حرب ​العراق​ وما تلاها. انها ببساطة ضريبة لن يقبل الاميركيون بدفعها من جديد، وقد ظهرت هذه السياسة بوضوح منذ فترة ما بعد ولاية جورج بوش الابن وحتى اليوم. وبالاضافة الى الرفض الداخلي الاميركي لمثل هذه الحرب، لا تتمتع واشنطن بتأييد دولي لها، وبالتالي ستمتنع ​اوروبا​ عن خوض مثل هذه المواجهة، ناهيك عن عدم حصولها على تفويض شرعي بذلك بسبب رفض ​الامم المتحدة​ والمجتمع الدولي هذه الخطوة بكاملها، فيما تتمتع ايران بتعاطف لا بأس به اهمه من روسيا والصين.

اما من الناحية الاقتصادية، وفي حين كانت العقوبات المالية والاقتصادية المفروضة من العالم على ايران قد ساهمت في الحاق ضرر ب​طهران​ وربما ادت الى تعزيز فرص التوصل الى الاتفاق النووي، لا يبدو ان العقوبات الاميركية كافية لاعادة السيناريو نفسه. فالقارة الاوروبية تقف الى جانب ايران في مجال هذا الاتفاق، والامم المتحدة والمجتمع الدولي بأسره يعتمد على تقارير ​الوكالة الدولية للطاقة الذرية​ التي اعلنت اكثر من مرة التزام ايران ببنود الاتفاق. من هنا، وازاء الباب الذي اغلقته واشنطن، فتحت اوروبا والعالم نافذة عريضة تسمح للايرانيين بالمحافظة على استقرار اقتصادي ومالي، كما تسمح بالوقت نفسه بالمحافظة على مصالح الشركات والمؤسسات الاوروبيّة التي استثمرت مع ايران بما يعود بالفائدة على الطرفين معاً.

ولا يجب ان يغيب عن بال احد ان اوروبا باتت مستعدة لتقديم حوافز اضافية تعوّض النقص الاميركي، وربما قد تؤدّي، اذا سارت الامور على ما يرام، الى اعادة النظر ببعض بنود الاتفاق بما يسمح لعودة الاميركيين اليه. قد لا يحصل هذا الامر، ولكن في حال حصوله، سيتطلب وقتاً طويلاً، ولن يكون بين ليلة وضحاها لان المراحل لن يتم سلقها واستعجالها، بل ستتخذ خطوة خطوة، وستسمح للايرانيين بالاحتفاظ بماء الوجه بشكل لا يبدو وكأنهم تراجعوا عن قرارهم.

هل أدى قرار ترامب الى تحقيق مكاسب للاميركيين ام الى العكس؟ في غياب المنطق والرؤية السياسية للقرارات الرئاسيّة الاميركيّة، الافضل تطبيق ما يقوله المثل الاميركي "انتظر لكي ترى".