أشار رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك ​المطران عصام يوحنا درويش​ إلى أن "​لبنان​ يشهد مبادرات كثيرة تتمحور حول الحوار وهي تنامى باستمرار، فلا يمر أسبوع في لبنان إلا وهناك محاضرة أو ندوة او خلوة، فلبنان أصبح منذ فترة طويلة مركزا للحوار وأصبح فعلا رسالة للشرق والغرب بأن الديانات السماوية هي التي تصنع السلام بين الشعوب، رغم أننا نمر من وقت إلى آخر بتشنجات وصراعات من فئات متطرفة تريد أن تستعمل الدين لمآرب سياسية".

وخلال لقاء مسيحياً – اسلامياً بعنوان "العيش المشترك في البقاع" في ​مطرانية سيدة النجاة​ للروم الملكيين الكاثوليك في زحلة، لفت إلى أنه "عندما ننظر إلى ​منطقة البقاع​ نرى أن العيش المشترك بحالة جيدة بشكل عام، فالناس يتعايشون معا في حياتهم اليومية و​المؤسسات الدينية​ تبذل جهدها للانفتاح على المكونات الأخرى، والخطاب الديني يتجاوب بشكل كبير مع إرادة الله الذي يريد خلاص الجميع وأن لا يهلك أحد من الناس والذي يدعو أن يحب كل واحد أتباعه، فهو خالق العالم ومدبر هذا العالم، وهذا يجعلنا نقتنع بأن الحوار بين المسيحيين والمسلمين، مبني على إيمان عميق ومشترك في الإله الخالق الواحد، ونتقاسم بقيم روحية كثيرة فالله رحيم وحنون نسبحه ونمجده في صلواتنا وعباداتنا".

وتحدث عن عقبتين " أجندة عند الجماعات الدينية المتطرفة التي لا تعترف بالآخر وتكفر الذين يتحاورون ويتلاقون، وأجندة عند بعض السياسيين فهم يريدون إخضاع الدين لمصالحهم وغالبا ما ينجحون".

وشدد على أن "الخطر الآتي علينا من ضيق المساحات المشتركة بين المسيحيين والمسلمين مثل المدارس، والجامعات، والسكن، كذلك بأن يبقى الحوار على صعيد طبقة معينة ومثقفة، فلا تصل مفاعيل الحوار الى مستوى الجماهير"، معتبراً أن "الحوار إن لم يبني صداقة ومحبة بين المتحاورين فليس هو حوار، لأن الهدف منه هو بناء صداقة وأخوة، فإيماننا بالإله الواحد يجب أن يقودنا إلى الاعتراف بالآخر وبأننا أخوة نؤمن بأننا أولاد إبراهيم بالإيمان الذي منحنا علاقة روحية تجاه بعضنا البعض".

وأكد أن "الحوار ليس شيئًا ما يحدث في الهواء. إنّه، يقود إلى الصلة بين الأشخاص التي تُنشء أساس الصداقة. بواسطة الحوار تُصبح الأهداف المشتركة قابلة للتحديد والمتابعة." والهدف الأبعد من الحوار هو أن نصل إلى المحبة ونأخذ على عاتقنا المسؤولية في قيادة شعبنا إلى التحالف لنعمل معا من أجل الإنسان".

ورأى أن "العنف في العالم لن يتوقف ولن تٌغلق مصانع الأسلحة إلا عندما يتحد المؤمنون بالمحبة ويتغلبون على خطيئتهم وعلى العنف الموجود في أعماق حياتهم. فدور الأديان هو صنع السلام أما المؤمن فعليه أن يتجند ليكون رسول السلام والعدالة في العالم، لا أن يستغل ارتباطه الديني لكي يقوم بأعمال تتنافى مع طبيعة الله، لأن "الله محبة".

وحده التعاون بين المؤمنين يؤمن العدالة والسلام في المجتمع، فهم شركاء في الإنسانية والحوار بينهم هو أكثر من تبادل أراء وأحاديث وحلّ مشاكل آنيه ، إنه لقاء قلوب وحجٌّ نحو الآخر، هذا الآخر المغاير في التفكير والعقيدة. وفي حواري معه أقبل بما يؤمن وأدعوه ليسأل عن إلهي ويقبل إيماني.

وأوضح أنه "على رغم الضغوط العدائية والتطرف والدمار الموجود حاليا في مجتمعنا الدولي وبخاصة المجتمع العربي، وعلى رغم الأحداث الدموية التي نعيشها ونسمع عنها يوميا، لا نزال نأمل وبخاصة نحن المؤمنين، بأن زمننا سيكون زمن سلام. المهم أن نتكاتف ولا ندع هذا القرن أن يوصف ب "زمن الرعب" بل يجب أن يكون وقتا نحتفل به بأخوتنا فيصبح عصرنا عصر الأخوّة بين البشر، لذلك على المسيحيين الصالحين والمسلمين الصالحين أن يعتنقوا اليوم مبدأي الأخوة واحترام الآخر، ويكونوا معا رسالة سلام الى العالم كله، فالعالم كله يتوق الى وضع المحبة فوق الكراهية، والمصالحة فوق الحرب، والحوار فوق الاقتتال. وهذا يعتمد على قدرتنا بالاقرار وبالاعتراف بعيوبنا ونواقصنا وأن نواصل الحوار معا وننمي صداقتنا ونحترم مساحات الاختلاف الموجودة بيننا ونقوي مناخات الثقة لنقطع الأوكسيجين عن تجار العنف".

وأشار إلى أن "اللجنة الأسقفية للحوار المسيحي الإسلامي، تعهدت منذ أن أنشأها مجلس البطارة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، مواصلة الحوار مع المسلمين وإقامة علاقات روحية وتاريخية، يستند إلى أسس مشتركة تجمع الديانات السماوية، التي تؤمن بإله واحد، خالق جميع البشر. يبدو لي أن هذا الحوار هو رغبة إلهية لتتناغم العائلة البشرية، فيجد الناس المودة والاحترام المتبادل".