لا يُمكن الجزم بكيفية نهاية المواجهة الإيرانية-ال​اسرائيل​ية. تل أبيب وطهران لا يعرفان، سوى أن المعركة مستمرة، وطالما انها كذلك، فهي ستتصاعد. هل تبقى على الاراضي السورية فقط؟ ايضاً، لا أحد يدري.

ايران​ جمهورية اسلامية تحكمها قواعد عقائدية متينة، لا ترضى الذل، وهي تتصدى لهجمات في جبهات عدة: ​سوريا​، الملف النووي، الازمة الاقتصادية التي يرسّخها الحصار الأميركي على طهران. هذا يعني ان التنازل غير وارد في الحسابات الايرانية، لا بل يرجّح التصعيد في الرد الايراني على الجبهات الاسهل بالنسبة الى طهران لتحقيق مكاسب على الجبهات جميعها. كلها ملفات مترابطة، تقود للضغط على الأميركيين.

اعطى الاسرائيليون بهجماتهم على القواعد الإيرانية في سوريا سبباً منطقياً للرد الايراني. لن تتنازل تل ابيب عن معارضتها لتوسّع النفوذ الايراني في سوريا، وبالتالي لن تسكت طهران أمام الاستهداف الاسرائيلي لقواعدها هناك. ما يعني ان المعارك ستمضي وفق خط بياني متصاعد. توجيه ضربات اسرائيلية ضد مراكز ايرانية، ستردّ عليه طهران بتوجيه صواريخ ايرانية ضد مواقع اسرائيلية. يتوسع الاستهداف الاسرائيلي، فيزداد الرد الايراني.

الصحافة الاسرائيلية طالبت بعدم الاستخفاف بمعنى تلك المواجهة، لأن دولتين تلاحقان الواحدة الأخرى لسنوات، ايران من خلال حلفائها وتحديداً ​حزب الله​، واسرائيل من خلال عمليات سرّية. لكن في 7 نيسان الماضي تمّ نزع الاقنعة، بقصف إسرائيلي من الجوّ لمنشأة ايرانية في مطار "تي فور" في شمال سوريا. اسرائيل امتنعت عن تحمّل المسؤولية. بعد ذلك، وعلى خلفية معلومات استخبارية عن نية ايرانية لتوجيه ضربة مضادة، غيّرت اسرائيل قواعد اللعبة.

في إطار الخط البياني المُتصاعد، تزيد الخطوة الاميركية بالانسحاب من ​الاتفاق النووي​، من دفع المواجهة الى سخونة أكثر. قد نصل الى مرحلة يصبح فيها اطلاق الصواريخ السورية نحو المواقع الاسرائيلية يومياً. لن تبقى المساحة المستهدفة في ​الجولان​، او في المراكز الاسرائيلية الشمالية. قد تتكرر معادلة التدرّج "ما بعد بعد حيفا". ما الذي يمنع؟ لا شيء ابداً، طالما اسرائيل تقوم بالإستهداف المُمَنهج في سوريا.

في الولايات المتحدة المخطط أعمق. تتطلع واشنطن الى انهيار اقتصادي ايراني نتيجة عقوبات قاسية على طهران. تعتقد الادارة الأميركية ان العقوبات ستحقق الشرخ في البيت الايراني، ويولّد الانهيار الاقتصادي تفككاً في بنية النظام الاسلامي. عندها يتخلى الإيرانيون عن الخيار النووي، ويتراجع نفوذهم الى داخل حدود دولتهم. يريد الأميركيون قطع الاذرع الايرانية في اليمن والعراق وسوريا. العقول الاميركية في البيت الابيض الآن تدفع بإتجاه تكرار تجربة انهيار الاتحاد السوفياتي في نهايات القرن الماضي. هم يعتقدون ان الرئيس الاميركي رونالد ريغان حقق خطوة تفكيك الاتحاد السوفياتي، بينما سيحقق ​دونالد ترامب​ خطوة تفكيك الجمهورية الاسلامية الايرانية. الرئيس الاميركي الحالي إقتنع بهذه الفكرة، كي يرسّخ اسمه ودوره في تاريخ بلاده.

كل ذلك يعزز من استمرار المواجهة من دون افق عملي. لأن الرد الايراني مفتوح، والمعادلة الشرق اوسطية لم تعد فقط بيد الأميركيين. هناك دور اساسي للروس. موسكو لن تسمح بضرب ساحة بات الاتحاد الروسي هو السيّد فيها. لكن بالمقابل، لا احد يضمن خطوات ترامب. هو عرض على الإيرانيين صيغة واحدة: الشروع في مفاوضات على اتفاق جديد، يتضمن الغاء المشروع النووي ووقف التدخل في المنطقة. اذا رفضت ايران، يهدد ترامب. ما هي خطته؟ ليس لدى ترامب جواب. لدى كل الافرقاء عناصر قوة ستدفع بإتجاه التصعيد غير المعروف وغير المضبوط. اننا الآن في قلب المعركة. كل السيناريوهات واردة. رغم ذلك، قد تحل المفاجآت التسووية، عبر دور روسي أو اوروبي. لا احد يعلم، لا في واشنطن ولا تل أبيب، ولا في طهران.