لم تتأخر المملكة العربية ​السعودية​، بعد إنتهاء ​الإنتخابات النيابية​ التي أظهرت تراجع القوى المتحالفة معها على الساحة ال​لبنان​ية، حتى تبدأ جولة من المشاورات والإتصالات معها، من خلال الزيارات التي تولى القيام بها كل من السفير الإماراتي في لبنان ​حمد الشامسي​ والقائم بالأعمال السعودي ​وليد البخاري​، والتي انطلقت من معراب حيث كان اللقاء مع رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​.

حتى اليوم، لم تهدأ حركة السفير الإماراتي والقائم بالأعمال السعودي، التي شملت بعض الشخصيات المحسوبة تاريخياً على قوى الثامن من آذار، في حين أن "النفضة" التي حصلت داخل تيار "المستقبل"، مؤخراً، لا تنفصل عن توجهات الرياض في لبنان، لا سيما مع إبعاد ​نادر الحريري​، مدير مكتب رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، الذي كان يعتبر المسؤول عن إحباط مشروع إجبار الحريري على الإستقالة، من موقعه.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن نتائج الإنتخابات النيابية أثبتت بما لا يقبل الشك تراجع عدد نواب قوى الرابع عشر من آذار، التي كانت تملك الأغلبية النيابية منذ العام 2005 حتى اليوم، وتؤكد بأن السعودية لا يمكن لها أن تهضم هذا الأمر، لا سيما في ظل المواجهة التي تقودها مع المحور الإيراني على مستوى المنطقة، وبالتالي هي ستسعى بأي طريقة إلى محاولة الحد من التقدم الذي أحرزه "حزب الله" مع حلفائه إنتخابياً، من خلال تطويقه سياسياً.

على هذا الصعيد، توضح المصادر نفسها أنه طُرحت العديد من السيناريوهات، أبرزها الطلب من رئيس الحكومة البقاء خارج الحكومة، الأمر الذي يدفع قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" إلى تسمية رئيس حكومة مكلّف لا يحظى بغطاء من تيار "المستقبل"، على أن يترافق ذلك مع تشديد الضغوط الدبلوماسية والإقتصادية على "حزب الله"، إلا أن هذا السيناريو سقط نتيجة عدم رغبة أكثر من جهة إقليمية ودولية بالمغامرة في الإستقرار المحلي، بالإضافة إلى عدم تفضيله من قبل الحريري، نظراً إلى أن النتائج غير مضمونة.

من وجهة نظر هذه المصادر، الرياض تسعى اليوم بكل قوتها إلى إعادة "لملمة" قوى الرابع عشر من آذار، أو الأقل إعادة العلاقة بين "المستقبل" و"القوات اللبنانية" إلى سابق عهدها، الأمر الذي يُفسر إبعاد نادر الحريري عن موقعه، لا سيما أن الأخير كان "عرّاب" التسوية الرئاسية والتفاهم مع "التيار الوطني الحر" عبر رئيسه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، نظراً إلى أن السعودية لا يمكن لها أن تتقبل فكرة تسليم هذه الساحة إلى المحور الإيراني بكل سهولة.

إنطلاقاً من ذلك، تشير هذه المصادر إلى أن المملكة تسعى اليوم سياسياً، بالتعاون مع دولة الإمارات العربية، إلى التعويض عن خسارتها الإنتخابية، عبر تجميع أغلب القوى والشخصيات القادرة على التأثير الى جانبها، من أجل تأمين حصولهم على الثلث المعطل داخل مجلس الوزراء، بما يسمح لها بالمشاركة في أخذ القرارات التي تتطلب ثلثي الأعضاء من أجل إقرارها، على أن تضمن ذلك أيضاً في المجلس النيابي، الأمر الذي يدفع المصادر نفسها إلى إستبعاد فرضية خروج "القوات اللبنانية" من الحكومة مهما كانت الضغوط التي ستتعرض لها.

وتذكر المصادر السياسية المطلعة بأن الرياض لم تقرر، خلال مرحلة الإنتخابات النيابية، خوض أي مواجهة مع "المستقبل"، بل لم تعمد أصلا إلى دعم أي من الشخصيات المعارضة له على الساحة السنية.

في المحصلة، لم تسلم الرياض بنتائج الإنتخابات النيابية ولا بالتوازنات الجديدة التي أفرزتها، الأمر الذي سينعكس على مواقف القوى والشخصيات المتحالفة معها في المرحلة المقبلة.