مرة جديدة يشد ملف "الأطباء الشرعيين" الانظار اليه في بلد يملك حوالي 80 طبيبا شرعيا معتمدا من قبل أجهزة الدولة. بطل القصة هذه المرة هو الطبيب الشرعي في ​سجن رومية​ أ. م. المتهم بإقدامه على إعطاء تقرير كاذب لأحد السجناء بأنه مصاب بجلطة بهدف نقله من السجن إلى المستشفى.

أحالت المحامية العامة الاستئنافية في ​جبل لبنان​ القاضية نازك الخطيب الطبيب الشرعي المذكور موقوفا على قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان ​نقولا منصور​، الامر الذي أغضب ​نقابة الأطباء​ وحرّكها في اعتصام رمزي، اعتبر خلاله نقيب الأطباء ​ريمون الصايغ​ أن الضابطة العدلية استجوبت الطبيب دون ابلاغ ​​نقابة الاطباء​​ مسبقا عن موعد الاستجواب، ليتسنى لنقيب الاطباء حضور هذا الاستجواب عملا بأحكام المادة 44 من القانون رقم 313 /2001، علما ان التوقيف الاحتياطي تم قبل انقضاء مدة الخمسة عشر يوما خلافا لما ينص عليه القانون المذكور، ودون تزويد النقابة بالملف الطبي المطلوب لابداء الرأي العلمي بشأنه".

وفي هذا السياق تكشف مصادر مطلعة عبر "النشرة" أن النيابة العامة أرسلت طلبا الى نقابة الأطباء تطلب فيه رأي النقابة في ملف الطبيب المذكور، الا أن الطلب أُخفي في الدرج لحين انقضاء مدة الـ15 يوما للرد، ما جعل القضاء يتحرك ويوقف الطبيب"، داعية النقابة للكشف عن سبب إخفاء الطلب.

ينفي مصدر في نقابة الاطباء رفض الكشف عن إسمه علمه بشأن "اخفاء" طلب القضاء الاستماع لرأي النقابة بشأن قضية الطبيب الشرعي في سجن رومية، مشددا بالمقابل على أن التعاطي معهم لا يجب أن يكون كالتعاطي مع المجرمين خصوصا وان النقابة كانت حاضرة للتعاون في كل المناسبات القضائية السابقة، وكان الاطباء على قدر المسؤولية بالخضوع للتحقيق والتعاطي مع الملفات التي تواجههم بمسؤولية، مشيرا عبر "النشرة" الى ما يحصل حاليا مع الاطباء يرفع نسبة الخوف لديهم عند القيام بأي فعل طبي لأن غياب الحماية القانونية لهم تؤثر على فعاليتهم في العمل.

رفع النائب السابق ​اسماعيل سكرية​ الصوت في السنوات السابقة لجذب الأنظار نحو هذا الملفّ الاساسي جدا في حياة اللبنانيين، كون رأي الطبيب الشرعي قد يؤدي بأحدهم الى حبل المشنقة أو قد يمنح الحرية لمجرم قاتل. وفي هذا السياق يرى سكرية أن الطب الشرعي في لبنان غير خاضع للتنظيم، والمشكلة الأساسية في هذا الملف هي غياب التخصص، اذ هناك ما يقارب الـ75 بالمئة من الاطباء الشرعيين غير مختصين ولم يتخرجوا من الجامعات بشهادة "الطب الشرعي" وبالتالي لا يوجد احتراف بل عشوائية ولا مبالاة.

ويضيف سكرية في حديث لـ"النشرة": "في لبنان 20 أو 22 طبيبا شرعيا حقيقيا من أصل 80 تقريبا، وغالبيتهم يملكون اختصاص "صحة عامة"، رغم اهمية هذا الملف بالنسبة لحياة المواطنين"، مشيرا الى أن نقابة الاطباء مدعوة منذ سنوات للمساهمة بتصحيح هذا الواقع الخطير. وقال سكرية: "إن التصحيح في هذا الملف يبدأ من الوزارات المختصة أي ​وزارة الصحة​ بدرجة أولى، و​وزارة العدل​ بدرجة ثانية كون هذه الاخيرة تقوم بالتعاقد مع أطباء "يدّعون الطب الشرعي" وتتعامل مع هذا الملف من باب التنفيعات، وهو امر لم يبدأ في عهد الوزارة الحالية، ولكنه لم يُصحَّح بعد، ويجب تصحيحه بأسرع وقت اذ في كل فترة تعود هذه المسألة الى الواجهة بفضيحة جديدة".

يعمل الطبيب الشرعي تحت سلطة الدولة ويمارس مهماته تحت رقابة النيابة العامة، ويكون لتقريره الدور الأكبر في تحديد الأحكام القضائية، فهل يجوز أن تكون جثث اللبنانيين مسرحا للعب أطباء شرعيين غير شرعيين، وهل يجوز أن تكون رقاب اللبنانيين أمام المحاكم بيد كتبة تقارير غير مختصين؟.