ذكر ​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​، في عظته خلال ترؤسه جنازة المطران جورج اسكندر، أنه "ظُهرَ الثّلاثاء، عيد سيّدة الزّروع، أسلم المثلّث الرّحمة المطران جورج اسكندر روحه بين يدي ​السيدة العذراء​ بثقة الابن الوفي، من بعد أن منحه في الليلة السّابقة سيادة أخينا المطران جوزف معوّض، راعي الأبرشيّة، سرّ مسحة المرضى والغفران الكامل وناوله جسد الرب، زادًا للسفر، وهو في وعي وسكينة وسلام وهي حالات عاشها في كلّ محطّات حياته كمؤمن ملتزم، وكاهن غيور، وأسقف تحقّقت فيه صورة ​المسيح​، "راعي الرّعاة" القائل عن نفسه "أنا الرّاعي الصّالح، أعرف خرافي، وخرافي تعرفني".

واشار الى أنه "في زحلة بحوش الزراعنة وُلد المطران جورج في 12 أيّار 1927 في بيت المرحومين المعلّم والمربّي نجيب بطرس اسكندر، وزهيّة فارس دواليبي، وفيه تنشّأ على الإيمان والصّلاة والعلم، مع شقيقه وشقيقتيه بفضل هذا الجوّ العائلي المسيحي السّليم اختاره الرّب يسوع كاهنًا وأسقفًا، وشقيقته الأخت كلمنتين راهبة تسير على خطى المسيح نحو المحبّة الكاملة في رهبانيّة القلبين الأقدسين"، لافتاً الى أنه "على أساس ما حصّل من علم في مدارس زحلة، توظّف في وزارة البرق والبريد، فعرفه أهل زحلة مسيحيًّا ملتزمًا، ورجل تواصل عاموديًّا مع الله، بروح الصلاة، وأفقيًّا مع جميع الناس، إذ رأوه، وهو في الوظيفة، شابًّا ملتزمًا في نادي "أبناء أنيبال" الرّياضي وهو من مؤسّسيه، ومسؤولاً عن "الشبيبة العاملة المسيحيّة"، و "الشبيبة الطالبة المسيحيّة"، ومشاركًا في تأسيسهما. بالإضافة إلى مهمّة أمين سرّ اللّجنة الّتي تولّت إقامة تمثال سيّدة زحلة".

وتابع الراعي بالقول أنه "بعمر اثنتين وثلاثين سنة لبّى الدّعوة الإلهيّة إلى الكهنوت المقدّس، فتلقّى دروسه الفلسفيّة واللاّهوتيّة في جامعة القدّيس يوسف بيروت، متخرّجًا بإجازة في اللاّهوت، وفي 13 حزيران 1965 ارتسم كاهنًا بوضع يد المثلّث الرّحمة المطران مخايل ضومط، راعي أبرشيّة صربا التّابعة لها زحله آنذاك وله من العمر ثماني وثلاثين سنة فتميّز بالرّوحانيّة الكهنوتيّة، والمحبّة الرّاعويّة والاجتماعية"، ذاكراً أنه "فراعويًّا، أُسندت إليه خدمة رعيّة ​مار الياس​ حوش الأمراء. فتفانى في تعزيز الحياة الرّوحيّة وقيادة المؤمنين إلى ينابيعها، جاعلًا محورها في قدّاس الأحد، وأعطى الكثير للشبيبة العاملة المسيحيّة كمرشد عام لها في البقاع ثمّ في لبنان، وكممثّلٍ لها في مؤتمر المرشدين في ​بروكسل​ سنة 1968، ومساهمٍ أساسيّ في عقد مؤتمرها في بيروت في السّنة التّالية. كما التزم في حركة "كنيسة من أجل عالمنا" التي أُنشِئت لتطبيق مقرّرات المجمع المسكوني الفاتيكاني الثّاني".

كما نوه الى أنه "اجتماعيًّا، ساهم في تأسيس "بيت الصداقة"، وهيئة "أبعاد" الملتزمة بالإنسان بكلّ أبعاده، و"مركز الإسعاف والخدمات" لمساعدة الجرحى والمهجّرين والمحتاجين أثناء الأحداث اللبنانيّة ومثّل الأبرشيّة في مجلس كاريتاس-لبنان عند تأسيسها وتولّى رئاسة تحرير جريدة "البلاد" الزحليّة، وعمل كعضوٍ فاعل في "لجنة الدراسات التوجيهية" لمدينة زحلة "، موضحاً أنه "عندما قرّر مجلس أساقفة كنيستنا البطريركيّة المقدّس، في عهد المثلّث الرّحمة البطريرك الكردينال مار أنطونيوس بطرس خريش، إنشاء أبرشيّة بعلبك-زحله التي شملت كلّ البقاع باستثناء منطقة دير الأحمر التّابعة للأبرشيّة البطريركيّة، تمّ انتخابه أوّل مطران لها، وهو بعمر خمسين سنة مليء بالحيوية والنشاط. فتولّى رعاية الأبرشيّة الممتدّة على كل البقاع، حتّى أنشئت سنة 1990 أبرشيّة بعلبك-دير الأحمر، فانحصرت خدمته في أبرشيّة زحله كما هي اليوم".

وذكر الراعي أنه "لقد "أرسله الله راعيًا وفق قلبه محقّقًا في خدمته الرّاعويّة صورة الثّالوث القدّوس، إذ عكست خدمته أبوّة الآب بحنانه ورحمته، ورسالة الإبن معلّمًا وكاهنًا وراعيًا، ومسحة الرّوح القدس الّتي عضدته وأرسلته فراح يقدّس ذاته ويغرف من الرّوحانيّة الأسقفيّة نشاطات خدمته، على ما أعلن في قدّاس تنصيبه على الأبرشيّة حيث صلّى بهذه الكلمات، قدّمتَ لي يا ربّ، الحلّة الأسقفيّة لتذكّرني دومًا ببهاء النّفس المتّحدة بالله! قدّمتَ لي الصّليب على صدري لأحمل بواسطته الأثقال مع المساكين والمتعبين! ألبستني الإسكيم، ليمنع عن حواسي كلّ باطل، ويهدي وجهي أبدًا صوب وجهك البهي! أهديتَني خاتمًا، ليكون عهد الحبّ المتكامل بيني وبينك، ومع الأبرشيّة العروس المحبوبة! وكما كلّل التّاج هامتي فليكن اسمك المبارك إكليلي ولتكن الطّهارة تاجي! وإذا ما حملتْ يميني عصاك، فلتكن للهداية إلى الخير والحق! أمّا إنجيلك، يا معلّمي، فليكن دستور حياتي ونورًا وهديًا ".

واعتبر أنه "بقوّة هذه الرّوحانيّة الأسقفيّة، ضاعف المطران جورج جهوده ونشاطاته. فلملم المناطق الّتي تكوّنت منها الأبرشيّة، وقد سُلخت من ثلاث أبرشيّات: صربا وصيدا وبعلبك، وجمع كهنتها في جسمٍ كهنوتي واحد متضامن، وتعاون مع المؤسّسات الرّهبانيّة، أديارًا ورعايا ومدارس، معتبرًا إيّاها كنزًا ثمينًا يُغني الأبرشيّة، ونظّم الرّعايا وأوقافها وإداراتها، وأسّس المجالس الكهنوتية والراعوية ولجانها. وشكّل مع أساقفة زحله، من مختلف الكنائس وحدة راعويّة نموذجيّة متعاونة ومتكاتفة، أدّت أثناء الحرب اللبنانية دورًا أساسيًّا في حماية أبناء المنطقة"، مشيراً الى أن "أولى العلمانيّين المؤمنين بالمسيح ولاسيّما الشباب منهم عناية راعويّة خاصّة، فكان الرائد لدورهم ورسالتهم في الكنيسة والمجتمع، من خلال اللجنة الأسقفيّة لرسالة العلمانيين ومجلسها الرسولي العلماني. وقد انتخبه ​مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك​ في لبنان نائبًا لرئيسها سنة 1978، ثمّ رئيسًا من سنة 2000 إلى 2008؛ ومن خلال اللجنة الأسقفة لراعويّة الشباب في الشرق الأوسط كرئيس لها؛ ومن خلال مرافقته للشبيبة في أيّامها العالميّة في باريس وروما وتورنتو بكندا وكولونيا بألمانيا، وللحركات الكشفيّة ودليلات لبنان، وشبيبة الألف الثالث، ولجماعة "إيمان ونور" كمرشد محلّي ووطني لها، ولحركات: "التسلّح الخلقي"، و"جماعة الرّحمة الإلهيّة"، و"الفوكولاري". وقد وضع في خدمتهم جميعًا كلّ طاقاته الرّوحيّة والمعنويّة وهواياته كالرّسم والموسيقى الكلاسيكيّة وقد أنشأ ناديًا لها في المدينة، وخبرته الكشفيّة وتسلّق الجبال واكتشاف المغاور. وفي سنة 1998 أسند إليه مجلس البطاركة والأساقفة مسؤولية لجنة الإعداد للاحتفال بيوبيل الألفية الثالثة. هذا على المستوى والروحي والكنسي".

وتابع الراعي بالقول أنه "المستوى الاجتماعي، فبنى بالتعاون مع أبرشيّة بال السويسريّة بيتًا للطلبة الجامعيين في حواش الأمراء. وأسّس تعاونيّة إسكانيّة حقّقت بناء ثلاثة مجمّعات أمّنت مساكن لأربع وخمسين عائلة ناشئة ومتوسّطة الدّخل. وأنشأ مع لجنة سيّدات زحله "مطعم المحبّة" للاهتمام بالمسنّين جسديًا واجتماعيًا وروحيًا"، مشدداً على أنه "لقد عاش في شقّة تخدمه فيها شقيقته سوزان، فيما كان يسعى جاهدًا لتحقيق واجب إنشاء كرسي المطرانية والكاتدرائية بشكل يليق بالأبرشيّة المارونيّة في زحلة عروسة البقاع. فتحقّق الحلم ووُضع الحجر الأساس لها بعد عشر سنوات، في تشرين الثاني 1987، وبوشر بالعمل، وأيادي أبناء زحلة والمحسنين تسخو، حتى اكتمل البنيان في أكثر أجنحته، واستطاع أن يسكن فيها حتى سنة 2002 التي قدّم فيها استقالته من إدارة الأبرشيّة لبلوغه السّن القانوني. ولكي يخفّف العبء عن خلفه، عاد ليسكن في شقّة تخدمه فيها من جديد شقيقته بإحاطة من أخيه جوزف وأسرته، وشقيقته الراهبة كليمنتين، وأكمل خلفه المثلّث الرحمة المطران منصور حبيقه البناء بكامل أقسامه، فظهر في بهاء جماله، كما هو اليوم، ولم يتوقّف نشاط المثلّث الرحمة المطران جورج بعد استقالته، بل تواصل في أكثر من قطاع. وفوق ذلك أصدر ثلاثة عشر كتابًا أغنى المكتبة الرّوحيّة العربيّة، نذكر منها أسرار الورديّة برفقة مريم، رسائل مار بولس، مريم في المسيحيّة والاسلام، مار فرنسيس الأسيزي، ثلاثة كتب عن روحانيّة الصّمت، وكان آخر كتاب سنة 2014 بعنوان: "من أجلهم نصلّي". وفيه صلاة بعنوان "صلاتي إليك من أجلي"، كانت بمثابة تهيئةٍ ذاتيّة للقاء وجه الله فصلّى "متى آتي وأحضرُ أمامك، يا منيتي، كي أستطيعَ أن أتأمّلَك بعينَين طاهرتَين، بعد أن تكون قد غفرتَ خطاياي ونقّيتَني. متى آتي وأتنعّمُ في أخدارك وفردوسِك، أعيّدُ أشهى الأعياد مع الملائكة والانبياء والرسل والشهداء، بلا انقطاع، وأُنشد مع المجاهدين أعذب أناشيد الظفر. أطالت أيامي أم قصرت، سأظلّ أسألُ بشوق: متى آتي وأحضرُ أمام الله؟ - إنّي آتٍ على عجل! – آمين. نفسي إليك عطشى".

وأكد الراعي أنه "استعدّ لساعته الأخيرة، كاتمًا إدراكه للمرض المميت. فنقله الله إليه بين عيد الصعود الذي به فتح لنا المخلّص والفادي باب السماء، وعيد العنصرة الذي فيه انحدر الروح الإلهي على أرضنا ليُصعد الإنسان إلى السماء. فتمّت فيه كلمة الربّ يسوع التي توّجت ورقة نعيه: "حيث أكون أنا، هناك يكون خادمي في هذه الكلمة نجد العزاء الإلهي، نحن وصاحب الغبطة والنيافة مار نصرالله بطرس وإخواننا السادة المطارنة أعضاء السينودس المقدّس، وسيادة أخينا راعي الأبرشية وكهنتها ورهبانها وراهباتها وسائر مؤمنيها، وشقيقه وشقيقتاه وكلّ الأنسباء وأهالي مدينة زحله، نسأل الله أن يتقبّله بوافر رحمته بين الرعاة الصالحين، ويعزّي قلوبكم، ويؤهّلنا لنرفع في كلّ حين نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآن وإلى الأبد، آمين".