من دون صعوباتٍ تُذكَر، وبمعزلٍ عن موقف "​التيار الوطني الحر​" وبالتالي تكتّل "لبنان القوي"، لا يشكّ أحد بأنّ رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ سيُنتخَب لولايةٍ جديدةٍ بأكثرية مريحة، إن لم تكن كاسحة، باعتبار أن لا "منافس" له بكلّ بساطة، في ضوء حصول ثنائي "​حزب الله​" و"​حركة أمل​" على 26 من أصل 27 مقعداً شيعياً في البرلمان، وتأييد بري من جانب معظم الكتل، الصديقة منها والخصمة.

لكن، وبخلاف رئاسة المجلس، يبدو أن "المعركة" على نيابتها باتت حتميّة، على الأقل بين "الشقيقين" في تحالف ​معراب​، أي "التيار الوطني الحر" و"​القوات اللبنانية​"، إن لم يدخل فريق ثالث على الخط، علماً أنّ هناك من يتحدّث عن "معركة داخلية" داخل "التيار" لم تُحسَم بشكلٍ نهائيّ بعد، وسط توقعات بأن لا تقف "معركة الشقيقين" عند حدود البرلمان، أياً كانت نتيجتها، بل إنها ستدقّ أبواب الحكومة المنتظرة...

"معركة داخليّة"

حتى الآن، لم يحسم "التيار الوطني الحر" هوية مرشحه "النهائي" إلى نيابة رئاسة المجلس النيابي، على اعتبار أنّ الأمر متروكٌ للبحث والنقاش في الاجتماع المقبل لتكتل "لبنان القوي"، قبل جلسة الانتخاب التي سيدعو إليها "رئيس السنّ" في المجلس النائب ميشال المرّ الأسبوع المقبل، وسط حديثٍ عن "معركة" داخل التكتّل على هذا المنصب.

وفي هذا السياق، يبرز اسم النائب المُنتخَب ​إيلي الفرزلي​ الذي شغل المنصب في السابق لسنوات طويلة، والذي يُقال إنّه المرشح "المفضّل" لدى رئيس المجلس نبيه بري، ولو أنّ الأخير "حرص" على التأكيد أنّ التكتّل هو "الأحق" بتسمية المرشح، كونه يمتلك الكتلة النيابية الأكبر مسيحياً داخل التكتل. ولم يخفِ الفرزلي نفسه في سلسلة تصريحاتٍ خلال الأيام الماضية رغبته بالعودة إلى مركزه القديم، مع تأكيده أنّ القرار في النهاية يبقى للتكتل، بناءً على حسابات الربح والخسارة.

في المقابل، وعلى الرغم من أنّ النائب المنتخب ​شامل روكز​ استبق قرار "التكتّل" بإعلانه الاتجاه لتسمية زميله الفرزلي للمنصب، يدرك الجميع أنّ الأخير لا يغرّد وحيداً في سرب الطموح هذا، إذ إن اسم الوزير السابق والنائب المنتخب ​الياس بو صعب​ مطروحٌ للموقع بجدية منذ ما قبل الانتخابات الأخيرة، حتى قبل أن يحسم "التكتّل" تبنّيه لترشيح الفرزلي إلى الانتخابات عن دائرة البقاع الغربي. ومع أنّ الأخير أبرز دعماً لـ"العهد" منذ ما قبل انطلاقته مع وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، ثمّة وجهة نظر داخل "الوطني الحر" تفضّل بو صعب على اعتبار أنّه يبقى من حصة "التيار" نفسه لا "الحلفاء"، في وقتٍ لفت حديثٌ عن "جائزة ترضية" قد ينالها الأخير في حال اختيار الفرزلي، تقضي بتسميته نائباً لرئيس الحكومة، إذا قرّر "التيار" عدم الفصل بين النيابة والوزارة.

رسالة "قواتية"

ولعلّ "جائزة الترضية" هذه التي بدأ يُحكى عنها همساً وجهاراً هي التي استنفرت "القوات اللبنانية" في الساعات الماضية، ودفعتها إلى الدخول على خط "المعركة" بقوة، معلنةً عن ترشيحها النائب المنتخب ​أنيس نصار​ لنيابة رئاسة البرلمان، وبدئها حملة لـ"حشد" المؤيّدين، الذين كان أولهم وفق المعطيات رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، وقد ينضمّ إليه الكثيرون من معارضي "التيار"، ولو كانوا عملياً من خصوم "القوات" أيضاً.

وتشير المعلومات إلى أن الحريري الذي أبلغ رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ في اللقاء الذي جمعهما أخيراً في بيت الوسط دعمه لمرشحه، انطلق في ذلك من رفض "المستقبل" التصويت للفرزلي، ليس فقط لكونه خاض معركة انتخابية ساخنة في وجهه بقاعاً، ولكن قبل ذلك لكونه اعتبره في سياق الحملات الانتخابية المتبادَلة من "الودائع السورية"، وبالتالي لا قدرة له على انتخابه تحت أيّ ذريعة.

وفيما يعتبر "التيار الوطني الحر" أنّه "الأحقّ" بتسمية نائب رئيس المجلس، كونه صاحب التكتل الأكبر في البرلمان، تعتبر "القوات اللبنانية" أنّ النتيجة المبشّرة التي حققتها في الانتخابات النيابية تخوّلها الوصول إلى أحد المراكز الأساسية في السلطة، وهي كانت مستعدّة للموافقة على دعم مرشح "التيار"، أياً يكن، انطلاقاً من مبدأ "التبادل"، بمعنى أن يكون نائب رئيس الحكومة من "القوات" إذا كان نائب رئيس المجلس من "التيار"، والعكس صحيح، وإذا بها تتفاجأ بسعي "التيار" لحلّ مشاكله الداخلية من خلال "احتكار" الموقعَين، عبر تخصيص أحدهما له والثاني لحلفائه، وكأنّهما "حق مكتسَب" لا جدال فيه.

وإذا كانت المعركة على نيابة رئاستي المجلس والحكومة تشكّل فصلاً جديداً من فصول "المواجهة" المتجهة إلى التصاعد على ما يبدو بين "التيار" و"القوات"، فإنّ الأخيرة لا تعزل مثل هذه التسريبات عن وجود "نوايا" لمحاولة عزلها من جديد، بل حتى محاولة استبعادها عن الحكومة ككلّ، خصوصاً في ظلّ الكلام غير البريء الذي بدأ يتصاعد حول "أكثرية تحكم وأقلية تعارض"، في هذا التوقيت بالتحديد، وهو ما لن ترضى به، ولذلك فهي توجّه اليوم من خلال ترشيح نصار "رسالة" لمن يعنيهم الأمر، ستتلوها المزيد من "الرسائل" خلال مرحلة "مفاوضات" تشكيل الحكومة، التي ستصرّ "القوات" على أن تمثَّل فيها كما يجب، وبحصّةٍ موازية لحصّة "التيار"، تحت طائلة عرقلة التأليف إن لزم الأمر.

مواجهة ديمقراطية؟!

في المبدأ، ومن حيث الشكل، يبدو مجرّد حصول "معركة" على نيابة رئاسة المجلس النيابي أمراً إيجابياً، بعيداً عن "بدعة" التزكية والتوافق، لأنّ أصول اللعبة الديمقراطية تتطلّب مثل هذه المعركة في كلّ الميادين وعلى كلّ المواقع، وبالتالي فإنّ حصولها هو الذي يجب أن يكون القاعدة، لا الاستثناء، كما هو حاصلٌ في لبنان.

ولكن، أبعد من الشكل، من الواضح أنّ هذه "المعركة" تحمل في طيّاتها بوادر "مواجهة" أكبر في المستقبل القريب بين "التيار" و"القوات"، اللذين أعلنا بوضوح أنّ مرحلة "أوعا خيّك" ولّت، لتبدأ مع الانتخابات مرحلة جديدة عنوانها "التوازن" و"المساواة"، مرحلة ستشهد أوجها خلال مفاوضات تأليف الحكومة التي وصفها ​الرئيس ميشال عون​ يوماً بـ "حكومة العهد الأولى"، وصولاً إلى حدّ إمكان تفجيرها!