ليست المرة الاولى التي يتعرض فيها ​حزب الله​ لعقوبات اقتصادية، إن من ​الولايات المتحدة الاميركية​ او من بعض دول الخليج، وهي خطوة معنوية اكثر منها عملية، وبمثابة رسالة مفادها ان بقاء الحزب في صلب الحياة اللبنانية سياسياً واجتماعياً لن يعفيه من المراقبة ومحاولات الحد من نفوذه وسيطرته.

على ارض الواقع، تبقى هذه العقوبات محدودة النتائج، وهي في كل الاحوال لا تصل الى مصاف الخطوات السابقة التي كانت اكثر خطورة بعد ان طالت عدداً من المصارف والشركات. ولكن الرسالة السياسية التي وصلت الى الحزب، سبقت بقليل فقط رسالة سياسية اخرى مغايرة تماماً ومن قوة عظمى ايضاً وهي ​روسيا​. فقد شددت روسيا عبر لسان سفيرها في لبنان الكسندر زاسبكين على ان موسكو ستبقى الى جانب طهران وحزب الله ل​مكافحة الارهاب​ في سوريا، اي بمعنى آخر اتى الرد الروسي على القرارات الاميركية لتعديل القوى والمواقف، ففي حين ترى واشنطن ان الحزب وايران يشكلان عامل عدم استقرار في سوريا والمنطقة، اوضحت موسكو انها ترى عكس ذلك، وانها ليست في وارد التخلي عن اي منهما في الوقت الراهن، لا بل اكثر من ذلك فإنهما يعتبران اساساً لمنع الارهاب او عودته الى سوريا والمنطقة.

هذا التناقض السياسي الاميركي-الروسي يصب في خانة الحزب وايران، ويدرك الحزب انه لا يمكن المساس به في الداخل لاعتبارات عدة، وان شعبيته لا تزال على حالها تقريباً وفق ما اظهرته ​الانتخابات النيابية​ الاخيرة، ولو انه تعرض لخروقات بسيطة جداً. اضافة الى ذلك، لا يمكن عدم تمثيل الحزب في المؤسسات الرسمية اللبنانية من مجلس نواب ومجلس وزراء، ولا يمكن تجاهل مواقفه او القفز فوقها على اكثر من صعيد، كما ان كل الآمال التي كانت موضوعة في السابق حول صدام بينه و​الجيش اللبناني​ باتت صفحة من الماضي لا يمكن العودة اليها ولو حتى عبر الرهان فقط.

ويعلم الحزب تماماً اهمية السير بين الالغام في لبنان، وهو لذلك يعمل على تقوية شبكة الاتصالات والتحالفات التي كان اقامها سابقاً، ولا يتخطى السقف المنطقي في رفع حدة الكلام السياسي مع الخصوم في السياسة، ولا يزال يلعب دوراً توفيقياً بين حلفائه حين تدعو الحاجة الى ذلك. ولا شك ان القراءة السياسية للحزب دفعته بعد الانتخابات الاخيرة، الى اصلاح ما تم تضرره من شبكات تواصل مع الحلفاء والاصدقاء وحتى مع بعض المؤيدين، وهو امر من شأنه ان يعزز موقفه على الساحة الداخلية، في موازاة حرصه على عدم السير بأي مشروع فتنة طائفية اكانت شيعية-مسيحية، او شيعية-سنّية.

وما ستقدمه روسيا من دعم، يقتصر على الغطاء اللازم لمنع اي خطط او افكار تصدر من خارج لبنان لاستهداف حزب الله بشكل جدي او تقويض امكاناته، خصوصاً في هذه الفترة التي تحتاج فيها روسيا اليه في الميدان السوري ريثما يتم التوصل الى التسوية السياسية المنشودة. هذا ما فعلته موسكو مع طهران ودمشق، وهذا ما تنوي القيام به ايضاً مع الحزب، ولعل هذا الموقف يكشف ما يمكن اعتباره "ارتياح" الحزب لعدم قيام اسرائيل بحرب جديدة شاملة، واقتصار الامور على بعض الضربات المحدودة خارج الاراضي اللبنانية.

كسرت روسيا أحادية الموقف في الشرق الاوسط، وهي خطوة اتت لمصلحة العديد من الدول كما اتت لمصلحة حزب الله، وما يمكن استنتاجه هو ان الحزب سيعمل على تعزيز حضوره الداخلي عبر توسيع تحركاته ونشاطاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لان حضوره العسكري سينحصر حتماً بعد التسوية، والتي لا يعرف بعد موعدها وما اذا كانت ستطول ام لا