من المُنتظر أن يشهد لبنان خلال الساعات والأياّم القليلة المُقبلة حركة سياسيّة ناشطة، بمُوازاة الإتصالات الكثيفة الدائرة حاليًا، إن بشكل علني أو خلف الكواليس، وذلك لرسم صُورة الحكم في السنوات الآتية. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: مع دعوة رئيس السنّ في مجلس النوّاب المُنتخب، النائب ميشال المرّ (مواليد أيلول 1932)، المجلس التشريعي لعقد جلسة بعد غد الأربعاء على الأرجح لإنتخاب رئيس للمجلس ونائب له، إضافة إلى هيئة مكتب المجلس، تبدأ مرحلة الإنتقال إلى الجزء الثاني من عهد رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ على مُستوى السُلطة السياسية وتركيبة الحُكم.

ثانيًا: بالنسبة إلى مسألة إنتخاب رئيس ​مجلس النواب​ نبيه برّي لولاية جديدة، فإنّ هذا الإنتخاب محسوم بسبب غياب المُنافسة نتيجة سيطرة "الثُنائي الشيعي" على 26 من أصل 27 مقعدًا شيعيًا بشكل مُباشر، وتغريد الإستثناء الوحيد النائب مُصطفى الحُسيني الفائز عن جبيل تحت جناحيهما. والمسألة ستقتصر بالتالي على العدد الذي سيناله رئيس مجلس النوّاب المُستمر في منصبه بشكل مُتتالي منذ العام 1992، حيث يُرجّح أن ينال هذه المرّة عددًا أكبر من الأصوات مُقارنة بتلك التي كان قد نالها في آخر عمليّة تصويت له في العام 2009، والتي بلغت في حينه 90 صوتًا، حيث قد ينحصر التصويت بالورقة البيضاء بالنوّاب الحزبيّين المُنتمين إلى تكتّل "لبنان القوي" فقط، ما يعني إحتمال أن ينال برّي نحو 110 أصوات من أصل 128، في حال حُضور وإلتزام كامل باقي النوّاب!

ثالثًا: بالنسبة إلى معركة نائب رئيس مجلس النواب فإنّ تكتّل "لبنان القوي" يتّجه في الساعات القليلة المُقبلة إلى حسم هويّة الشخصيّة التي سيُرشّحها لهذا المنصب، من بين مرشّحين أساسيّين هما النائب العائد ​إيلي الفرزلي​ والنائب المُنتخب إلياس أبو صعب، علمًا أنّ "التيّار" يتعرّض لضغط غير مُباشر من بعض قوى "8 آذار" لدفعه إلى تبنّي ترشيح الفرزلي في مُقابل الحُصول على دعم هذه القوى. وعلى الرغم من إستفادة مُرشّح كتلة "الجمهوريّة القويّة" النائب المُنتخب إلياس نصّار من دعم "تيّار المُستقبل" إضافة إلى كتلة "القوّات" وبعض النوّاب المُستقلّين، في ظلّ إتصالات مفتوحة مع حزب "الكتائب" وتيّار "العزم" وقوى وكتل أخرى، فإنّ تصويت نوّاب الحزب "الإشتراكي" لغير صالحه كما ألمح رئيس "اللقاء الديمقراطي" وليد جنبلاط إثر زيارته رئيس مجلس النوّاب، سيُضعف فرص نصّار أكثر فأكثر، لأنّه سينطلق عندها في أي مُواجهة ديمقراطية مع مُنافسه، من دعم مكفول من جانب أقلّ من 40 نائبًا، في مُقابل دعم يُمكن أن يتجاوز ما مجموعه 70 نائبًا لمرشّح "التيّار الوطني" في حال إلتزام نوّاب "الثُنائي الشيعي" وبعض القوى الحليفة المحسوبة على محور "8 آذار" له، إضافة طبعًا إلى أعضاء كتلة "لبنان القوي". وفي كل الأحوال، يرغب حزب "القوّات" بخوض معركة إثبات وُجود، بعد أن جرى تجاهل رأيه كليًا في موضوع نائب رئيس المجلس، علمًا أنّ تكتّله يضم 4 نوّاب من طائفة الروم الأورثوذكس، شأنه شأن تكتّل "لبنان القوي"، خاصة وأنّ حزب "القوّات" يخشى ألاّ يتمّ الإبقاء على منصب نائب رئيس ​مجلس الوزراء​ من حصّته في الحُكومة المُقبلة، حيث يتردّد أنّ ترشيح تكتّل "لبنان القوي" للنائب المُنتخب الفرزلي الذي يحظى بقبول أوسع لدى قوى "8 آذار"، يهدف إلى إبقاء "التيّار الوطني الحُرّ" على ورقة نيابة رئاسة الحُكومة لصالح النائب المُنتخب أبو صعب خلال مُفاوضات تشكيل الحُكومة المقبلة، في حال لم يتمّ الإلتزام بمبدأ فصل النيابة عن الوزارة.

رابعا: بعد إستلام ​المجلس النيابي​ المُنتخب مهمّاته رسميًا، ستتحوّل الحُكومة الحالية إلى تصريف الأعمال، وسيدعو رئيس الجمهورية إلى إستشارات لتكليف شخصيّة سنّية مهمّة تشكيل ​الحكومة​ المُقبلة. وبحسب المُعطيات الحالية، لا نيّة بترشيح أي شخصيّة بوجه رئيس "تيّار المُستقبل" من قبل أي جهة، خاصة وأنّ الحريري ينطلق من أغلبيّة عدديّة واضحة مُستفيدًا من دعم كل من "المستقبل" و"القوات" والإشتراكي" إضافة إلى كتلة "لبنان القوي".

خامسًا: إنّ حسم مسألة التكليف لا تعني تسهيل مسألة التشكيل، حيث يُنتظر أن تتأخّر بسبب صُعوبة توزيع الحصص والحقائب وما يُسمّى الوزارات "السياديّة" و"الخدماتيّة"، في ظلّ كثرة المطالب المُتقابلة والمُتعارضة في أغلبيّة الأحيان. ولم يعد خافيًا على أحد أنّ أبرز الصُعوبات المُرتقبة تشمل مُطالبة "القوات" بحصّة وزاريّة موازيّة لحصّة "التيّار الوطني الحُرّ" الذي يفصل حصّته الوزارية عن تلك الممنوحة لرئيس الجمهوريّة، ومُطالبة قوى "8 آذار" عُمومًا بعدم حصر تمثيل الطائفة السنّية بوزراء "المُستقبل"، ومُطالبة "الحزب الإشتراكي" بأن يكون تمثيل الطائفة الدرزيّة من نصيبه حصرًا، إلخ. وبموازاة مشاكل الحصص، لا تخلو مسألة توزيع الحقائب من المشاكل، حيث يُطالب "الُثنائي الشيعي" بالحُصول مُجدّدًا على وزارة المالية، بينما يُطالب أكثر من فريق سياسي بالمُداورة على مُستوى الوزارات، وتُطالب "القوّات" بوزارة وازنة إن لم تكن مُصنّفة "سياديّة" فأساسيّة مثل وزارة الطاقة مثلاً، والأمر نفسه يشمل الحزب "الإشتراكي" وغيرها من القُوى. كما يُطالب "​حزب الله​" هذه المرّة بوزارات وازنة وغير ثانويّة كما في المرّات السابقة في تحدّ للضغوط الخارجيّة عليه وعلى لبنان. وعين كل من "التيّار الوطني" و"القوات" على منصب نائب رئيس الحُكومة، بينما عين أكثر من جهة على وزارات الأشغال والطاقة والصحّة، ورفض لمبدأ حصر الوزارات "السياديّة" بيد جهة مُحدّدة دون سواها، إلخ.

سادسًا: بمجرّد النجاح في تشكيل الحكومة، ستتجه الأمور إلى مسألة "البيان الوزاري" الذي يُنتظر أن لا يكون صدوره سهلًا، بفعل إرتدادات العُقوبات على "حزب الله" والتصنيفات بحقّه، وبفعل الضُغوط الخارجيّة على "تيّار المُستقبل" لترجمة مسألة النأي بالنفس بالفعل وليس بالقول، في مُقابل شُعور "محور المُقاومة" أنّه الفريق الذي يجب أن يُترجم شروطه على الساحة الداخليّة وليس العكس، بعد النتائج الميدانيّة التي تحقّقت في الإنتخابات النيابيّة والرئاسيّة.

في الخلاصة، مّطبّات كثيرة تنتظر لبنان واللبنانيّين، لكنّها ليست أصعب من تلك التي مرّت في السابق، والسؤال هو: كم من الوقت سيُهدر قبل التوصّل إلى تسويات وسطيّة أو شبه وسطيّة كما كان يحصل دائمًا؟!.