يُدرك ​حزب الله​ تماما أن العقوبات الأميركية والخليجية الاخيرة التي طالت قادة فيه بينهم أمينه العام السيد حسن نصر الله وأعضاء مجلس الشورى في الحزب، رسالة ذات بُعدين رئيسيين، الأول يندرج في اطار الضغوط الأميركية المستمرة والمتصاعدة التي تتخذ أشكالا شتى لحصار ايران ومحاولة تطويقها في سوريا والمنطقة، والتي اتخذت بوقت سابق طابع الاستهداف العسكري المباشر الذي تولته اسرائيل. أما البُعد الثاني، فيطال الداخل اللبناني خاصة وأن العقوبات فُرضت في خضم الاستعدادات لانتخاب رئيس جديد للمجلس النيابي والانطلاق في رحلة تشكيل ​الحكومة​، وهي رحلة في الظروف الطبيعية شاقة، فكيف اذا كانت ستتم في ظل صراع بين خطوط حمراء اقليمية ودولية للحد من حصة حزب الله في السلطة ونوعيتها، وخطوط حمراء وضعها الحزب المصمم هذه المرة على اعتماد نهج حكومي جديد يعتمد على فرض نفسه شريكا أساسيا في عملية الاصلاح و​مكافحة الفساد​ من خلال سعيه للحصول على وزارة واحدة على الأقل أساسية.

وتشير مصادر مقربة من حزب الله الى ان المعني الأول بالرسالة الاقليمية–الدولية الأخيرة المتمثلة بالعقوبات هو رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، "باعتبار ان هناك من يسعى ليقول له بوضوح لا تذهب بعيدا بمسايرة حزب الله بمطالبه الحكوميّة، واعمل على منعه من استثمار انتصاره في الانتخابات النيابية الأخيرة"، لافتة الى ان "الرئيس عون لم يرضخ بالسابق الى ضغوط أعظم بكثير من التي نحن بصددها وأبرزها تلك التي مورست عليه خلال مرحلة الشغور الرئاسي، وهو لا شك لن يرضخ اليوم لكل التصعيد والتهويل الممارس".

وتؤكد المصادر ان "حزب الله لن يقبل بعد اليوم بعد حصد الثنائي الشيعي كامل المقاعد الشيعية في ​المجلس النيابي​ الجديد، أضف اليها عدد لا بأس به من المقاعد السنية التي كسبها حلفاؤه، أن يعود الى المعادلة الحكومية القديمة التي كانت قائمة على حصوله على حصة وزارية رمزية من خلال وزارات غير أساسية وثانوية"، لافتة الى ان "اولوياته وخطة عمله السابقة لا تشبه بشيء أولوياته في المرحلة المقبلة، والتي لمّح اليها السيد نصرالله أكثر من مرة بتأكيده أن الحزب يتطلع ليكون شريكا أساسيا في مكافحة الفساد وبناء الدولة، وهو أحد العنوانين الرئيسيين الّذي خاض بهما حملته الانتخابية".

وبحسب المعلومات، يسعى الحزب ليرتقي بمشاركته في الحكومة المقبلة وان كان لا يتمسك بحقيبة معينة، انما يصر على الحصول أقله على واحدة من الحقائب الـ10 الأساسية وهي: الخارجية، الداخلية، الدفاع، المالية، العدل، الاشغال، الصحة، الشؤون الاجتماعية، الطاقة والاقتصاد. وتشير مصادر مطلعة الى ان العقوبات الجديدة على الحزب قد تكون "رسالة أميركية استباقية حازمة" لقطع الطريق على سيناريو تم التداول به مؤخرا ويقول بامكانية حل اشكالية ​وزارة المالية​ بين "​التيار الوطني الحر​" وحركة "أمل" من خلال منحها لحزب الله، وهو سيناريو ترفضه واشنطن ودول اقليمية جملة وتفصيلا وتتعاطى معه كخط أحمر، نظرا لأهمية هذه الوزارة على الصعد كافة، ووجوب أن يكون الوزير الذي على رأسها قادر على ان يتحدث مع كل دول العالم دون اي استثناء". وتكشف المصادر انه وبمقابل تمسك حزب الله بحقيبة واحدة اساسيّة على الاقل يتمسك "التيار الوطني الحر" بـ5 حقائب أساسية هي الخارجية والدفاع والطاقة والشؤون الاجتماعية والعدل.

وقد يبدو القفز فوق استحقاق تسمية رئيس الحكومة وانطلاق عملية النقاش بتوزيع الحقائب سابق لأوانه بعض الشيء، خاصة وان المصادر المقربة من حزب الله تؤكد ان تكليف ​سعد الحريري​ بتشكيل الحكومة الجديدة سيكون مشروطا، لافتة الى ان هناك اكثر من شرط لكن أبرزها موافقته السير بخطة محدّدة لاعادة ​النازحين السوريين​ الى بلادهم. وتضيف المصادر: "هذه الخطة ستقوم على التنسيق مع الحكومة السوريّة ووضع جدول زمني وخطة محددة لاعادتهم بصرف النظر عن رأي الأمم المتحدة بالموضوع"، لافتة الى ان هناك تفاهم بين كل القوى الرئيسية وأبرزها أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية على الموضوع وانضم اليهم مؤخرا حزب "القوات اللبنانية"، ما سيجعل الحريري مضطرا للسير بالخطة واعطاء تعهد واضح بذلك قبل تسميته رئيسا للحكومة الجديدة.

بالمحصلة، تشير المعطيات الراهنة الى تبلور نوع من الكباش الخفي غير المعلن بين لبنان الرسمي والمجتمع الدولي، قد تزداد حدته في الأيام والاسابيع القليلة المقبلة. وقد تكون الدولة اللبنانية اليوم قادرة أكثر من أي وقت مضى على الفوز بهذا الكباش وفرض قرارها في الساحة الداخلية شرط بقاء مكوناتها كافة موحدة ومتماسكة.