رغم كل المديح الذي يكيله قياديون في حزب "القوات" لرئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​، صوّت النواب "القوّاتيون" بورقة بيضاء، تعبيراً عن رفضهم انتخاب بري رئيساً للمجلس. هي عملية ديمقراطية بالطبع، وهو موقف يقدّره حزب "القوات" وحده. لديه حساباته، واستراتيجيته، وأهدافه، وتكتيكاته. لكن، ليس مفهوماً معنى الغزل "القواتي" الدائم برئيس المجلس، من دون أن يُترجم الغزل في صناديق الإقتراع على الأقل. يُبرر رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ رأيه، بالتمييز بين ودٍ شخصي يكنّه لرئيس المجلس، ينفصل عن الموقف السياسي منه. لا يفهم الجمهور معنى تلك المعادلة. يردد جعجع في كلامه وأحاديثه الاعلامية مصطلح "صديقنا الرئيس بري"، ويحمل وزير الاعلام ​ملحم الرياشي​ عواطف جيّاشة لرئيس المجلس، تعبيراً عن حبهم وتقديرهم له ولدوره. لكن، كيف؟ أين؟ متى؟ كيف يُفسر معنى الصداقة عند "القوات"؟ أين تُصرف العواطف؟ وهل يوجد في السياسة احترام وود ينفصل عن الترجمة السياسية. أيضاً هنا، لا يفهم اللبنانيون معنى ذلك. الصداقة ببساطة تقضي بأن يكون الصديق الى جانب صديقه. بري لم يدّع يوماً صداقة بجعجع. يعامله بإحترام، ويصدق قوله بفعله. فرئيس المجلس لا يقرن صفة الصداقة بعلاقتهما ببعضهما. هو دافع عن "القوات" عندما حاولوا عزلها. تلك من ثوابت رئيس المجلس بعدم السماح بعزل أي فريق او حزب أو مجموعة، لأن البلد لا يحتمل العزل.

فلنفترض أن كلام "الحكيم" العواطفي واقعي تجاه بري، لماذا إتّخذ جعجع قرار التصويت بورقة بيضاء بمواجهة بري؟ هو يعرف أن الورقة البيضاء لا تغيّر في المعادلة. إذا كان جعجع يعتبر ان قراره يخدمه شعبياً في الساحة المسيحية، فهو على خطأ. لأن اللبنانيين توّاقون للتوافق وللتسويات السياسية التي تُبعد الأزمات. توّاقون للحلول، التي تعيد الإنعاش الاقتصادي، على أبواب صيف آت بزخم. لو كان هناك نائب شيعي آخر مرشح لرئاسة المجلس، لإقترعت كتلة "القوات" له. لِمَ لا؟

في أول جلسة للمجلس الجديد، هل عزلت "القوات" نفسها عن الطيف السياسي؟ الأكيد، أنّ أحداً لم يعزلها. لها الحق في إتخاذ القرار الذي يناسب تطلعاتها. لا يحق لأي كان أن يلومها. لكن لا يحق لقياديي "القوات" أن يتّهموا احداً بعزلهم. هم يمارسون قناعاتهم السياسية بمعزل عن عواطفهم الشخصية، والآخرون سيبادلونهم الآن وغداً نفس الممارسة بمعزل عن المشاعر.

لن يدافع احد عن حصّة "القوات"، لا في الحكومة، ولا في الإدارة. كتلة "لبنان القوي" ستسعى لترجمة سياساتها، وتسييل تكتيكاتها التي باشرت بحصد نتائجها في مكتب مجلس النواب. سيكرّ الحصاد في الحكومة والتعيينات. ستضطر "القوات" أن تصارع وحدها، للاستحصال على حصص وزارية، وإدارية، مع اتّكاء على دعم رئيس الحكومة ​سعد الحريري​. لكن نسبة الأصوات التي حصل عليها مرشح "القوات" لمنصب نائب رئيس المجلس النيابي أنيس نصّار، لا تبشّر بالسمن والعسل الحكومي على موائد الحريري-جعجع. كل عواطف "الحكيم" وطاقات وزرائه تُرمى دفعة واحدة في موقف لا يعلم أبعاده إلاّ "الحكيم". هل إعتاد دوماً على خسارة ما يزرع، من دون حصاد؟

سبق وأن إنتخبت "القوات" رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، لحسابات إحتفظ بها "الحكيم" في ​معراب​، بعد إتفاق نوايا. أتت الأيام لتثبت ان العلاقة التي تحكم الفريقين لا تحكمها النوايا المتفق عليها. عاد الفريقان الى موقع المواجهة السياسية، التي لا تسهّل تعيينات، ولا انتخابات مرتقبة بعد حين.

من سيكون الى جانب "الحكيم"؟ هل عزل جعجع "القوات" بعد جلسة انتخابات رئاسة ومكتب المجلس؟

الأيام ستثبّت مكانة "القوات" السياسية عند باقي القوى، الحليفة، والصديقة، والتي تقف في موقع الخصومة.