جلسة منضبطة في السياق العام المتفق عليه. اتسمت إلى حدّ كبير بالهدوء والرتابة، رغم حضور المخرجة السينمائية ندين لبكي حفل الرئاسة السادسة للرئيس ​نبيه بري​.

لم يكن في حسبان أحد أن يكون هناك منافس للرئيس بري، لكن حجم الأصوات التي نالها والتي تجاوزت الـ95، دلّت على أنّ ما هو متفق عليه بين الكتل الكبرى، إنما يجري من دونتعقيدات تذكر. كما أنّ نسبة الأصوات التي نالها النائب إيلي فرزلي (80 صوتاً) الذي خاض النائب أنيس نصار منافسة في وجهه لموقع نائب رئيس المجلس، إنّما أشارت إلى أنّ الأمور سارت في سياقها الطبيعي. وحتى تلك المنافسة التي كادت أن تخطف الأنفاس على موقع أميني السرّ اللذين تمّ الاتفاق بين الكتل الأساسية أنهما من نصيب النائبين مروان حمادة وألان عون، فإذا بمرشح ثالث هو اسطفان الدويهي يتقدّم بترشيحه بطريقة مفاجئة. وأثناء تعداد النتائج خيّم بعض القلق من أن يخلّ بالميثاقية، إذا ما فاز المارونيان. وهذا ما دفع حمادة بعد إعلان النتائج إلىالقول: "نشكر المجلس الذي احترم الميثاقية رغم ألاعيبالبعض"، فردّ عليه عون "يلي بيتو من زجاج ما يراشق الناس بحجارة".

يمكن القول إنّ معادلة 2009 لهيئة مكتب المجلس انعكست. فبعدما كانت الأكثرية لفريق 14 آذار (النواب السابقون فريد مكاري، انطوان زهرا، أحمد فتفت، سيرج طورسركسيان، والأقلية لـ 8 آذار (النائب ميشال موسى) أصبحت الأكثرية لفريق 8 آذار (النواب فرزلي، عون، هاغوب بقرادونيان، موسى)، والأقلية لفريق 14 آذار(النائبان حمادة وسمير الجسر).

في قراءة الملامح والوجوه، بدا الرئيس بري مرتاحاً. لم يختلف عليه شيء. الرئيس سعد الحريري بدا متجهّماً وشارداً في مكان آخر، كحال الوزير نهاد المشنوق الذي بدا منزعجاً،وغادر الجلسة على عجل بعد تصويته للرئيس بري.

أما النائب ميشال المر الذي ترأس الجلسة بداية بصفته رئيس السن عملاً بالقانون، جلس بُعيْد صعود بري إلى منصة الرئاسة قرب الرئيس نجيب ميقاتي والنائب جان عبيد، وفور وصوله إلى مكانه، ألقى النواب العونيون (إبراهيم كنعان، الياس أبو صعب، جبران باسيل) الذين يجلسون في الخلف التحية والسلام عليه، وكأنّ شيئاً لم يكن. وكأنّهم لم يمارسوا حرباً ضروساً ضدّه عشية الانتخابات المنتهية.

لقد خسر المجلس وجوهاً كان لها حضورها ودورها كالرئيس فؤاد السنيورة الذي كان حاضراً في صفوف المدعوّين، والنواب السابقين بطرس حرب، نقولا فتوش، روبير غانم، نوار الساحلي. هؤلاء في العلن والواجهة. أما في الخفاء فقد افتقد البرلمان رجل الظلّ الدكتور باسم الشاب، كما افتقد سيرج طورسركسيان بحسه النقدي في إطار فكاهي أرمني.

مَن راقب سير الجلسة أمس، تكشّف له سريعاً، أنّ ثمة شيئاً جديداً أضيف إلى صورة المجلس، ويحتار ما إذا كان تشوّهاً أو اختلالاً في الملامح. إذ إنّ معظم الوجوه الجديدة التي طغت على الحضور البرلماني، بدا وكأنها غير مجلسية، كأنّها جديدة على مهنة ودور لا قبل لها بهما. وبعيداً عن عدد كبير من هؤلاء، يطلّ رجل وقور واثق من نفسه، ليس رئيساً، لكنه يتعاطى كالرؤساء ويجلس إلى جانبهم هو جان عبيد الذي جلس إلى جانب بري وميقاتي.

برزت النائب بولا يعقوبيان نكهة مميّزة في المجلس الجديد. بدت كعادتها واثقة من نفسها. تدرك جيداً دورها الذي انتُخبت من أجله. فعدم تلاوة أمين عام المجلس عدنان ضاهر ورقتها التي كتبت عليها "ندين لبكي" اعتبر خطأً قاتلاً. فهو تجاوز قراءتها في حين أنه يجب أن يقرأها ويصنّفها في خانة الملغاة. اللافت في الأمر أنّ يعقوبيان مضت بموقفها حتى النهاية. لم تأبه لتعليق النائب نواف الموسوي "ايه بلا لبكي". إلا أنّ الرئيس بري أعطاها حقهاوأنصفها عندما اعترف بالخطأ، بقوله إنّ "ما قالته يعقوبيان صحيح. والحق معها والورقة تُعتبر ملغاة، لأنه لا يوجد نائب اسمه لبكي، وقال ممازحاً "هون في لبكة غير شكل".

ظهرت كتلة القوات اللبنانية وكأنها غير موجودة. لا حسّ ولا خبر، رغم أنّ عدد نوابها أصبح 14، فلو أنها لم ترشّح نصار لموقع نائب رئيس المجلس، لخيّل للمتابعين أنّ هذا المجلس بلا "قوات". في واقع الأمر إذا أخذنا بعين الاعتبار "الأوراق البيضاء القواتية الـ 13 بحق بري، وعدم تمثلهم بأيّ نائب في هيئة المكتب، لربما أشّر ذلك على نية عونية لتهميش كتلة القوات ودورها وحضورها الوزاري في المرحلة المقبلة. فجلّ ما حققه أحد نوابها زياد حواط نجاحه في أخذ سيلفي مع النائب عماد واكيم بعد محاولات عدة باءت بالفشل.

أما الكتلة العونية، فبدت قوة عظمى تمثل العهد القوي، وتملك 29 نائباً، لكنها أوحت في الوقت نفسه أنها معلقة بين خياراتها المتناقضة. كتلة تملك، لكنها لا تعرف ماذا تريد.

في البدء كانت كتلة "لبنان القوي" ضدّ الرئيس بري. ورئيسها وصف "الأستاذ" بـ"البلطجي" ثم صوّتت له بحوالي نصف أعضائها، وصفقت له، بمعزل عن بقاء باسيل مكتوف الأيدي، الذي أصبح نائباً في المحاولة الثالثة "الثابتة". لقد مالت "كتلة لبنان القوي" باتجاه النائب الياس بو صعب، ثم عادت وتبنّت فرزلي لموقع نائب الرئيس ووعدت بو صعب بحقيبة وزارية، ليستقرّ بها المكسب العظيم على النائب ألان عون كأمين سرّ، الذي يحظى بتأييد واحترام عدد كبير من النواب.