عند إنتهاء ذيُول وإرتدادات أزمة إستقالة رئيس حكومة تصريف الأعمال ​سعد الحريري​ من ​السعودية​ في تشرين الثاني 2017، جرت مُحاولة لإخراج وزراء "القوات اللبنانيّة" وبعض الوزراء الآخرين، لكنّها لم تنجح في حينه لأكثر من سبب، من بينها ما تردّد عن ضُغوط إقليميّة حالت دون ذلك. واليوم، وبعد تكليف رئيس "تيّار المُستقبل" مهمّة تشكيل الحُكومة المُقبلة، بدعم من أغلبيّة نيابيّة كبيرة نتيجة تسويات وتفاهمات داخليّة مُرتبطة بتقاسم السُلطة، تتجه الأنظار إلى حجم التمثيل الوزاري الذي سيلحق بكل فريق سياسي من الأفرقاء السياسيّين الأساسيّين. وفي هذا السياق، يتردّد خلف الكواليس عن وُجود نيّات مُبيّتة لإحراج "القوّات" فإخراجها من الحُكومة، في تكرار لسيناريو سبق وأن حصل قبل ربع قرن خلال التطبيق المُجتزأ والمُشوّه ل​إتفاق الطائف​ مطلع التسعينات. فهل صحيح أنّ العمل جار لعزل "القوات"، ولمن الكلمة الفصل في منع هذا الأمر؟.

لا شكّ أنّه يُوجد تقاطع مصالح بين فريق "محور المُقاومة والمُمانعة" من جهة و"التيّار الوطني الحُرّ" من جهة أخرى، لتحجيم التمثيل "القُوّاتي" في السُلطة التنفيذيّة وليس لإلغائه، الأوّل لأسباب سياسيّة مُرتبطة بعزمه على الإستفادة لأقصى درجة مُمكنة من التطوّر الكمّي الجزئي الذي حقّقه في الإنتخابات النيابيّة، والثاني لأسباب تنافسيّة حزبيّة ضمن البيئة الشعبيّة نفسها. وعلى الرغم من أنّ أولى مُحاولات تشكيل الحُكومة الجديدة ستنطلق من رغبة جامعة في أن تكون حكومة وحدة وطنيّة شاملة، فإنّ إستحالة تمثيل الجميع وفق الأحجام التي يُطالبون فيها، ستُؤدّي سريعًا إلى بروز الخلافات، وإلى الحاجة إلى إستبعاد بعض الأفرقاء لتمثيل آخرين على حسابهم. وإذا كان "الثنائي الشيعي" يُفاوض من موقع قُوّة، نتيجة مونته بشكل مُباشر على أكثر من 40 نائبًا ينتمون إلى أحزاب قوى "8 آذار"، والتيار الوطني الحُرّ" ينطلق من موقع قُوّة أيضًا، نتيجة حيازته أكبر كتلة نيابية في المجلس التشريعي الحالي، وبسبب إحتساب حصّة رئيس الجمهوريّة من الوزراء بشكل مُنفصل عن حصّته المُباشرة، فإنّ تمثيل باقي الأفرقاء بشكل مُنصف وعادل مُرتبط بيد رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، كونه المُفاوض الرئيس في هذه المسألة.

من هنا، إنّ الأهمّية مُضاعفة للدور الذي سيلعبه الحريري في المرحلة المُقبلة، فتوازنات الحكومة التي سيرأسها-في حال نجاحه بتشكيلها بطبيعة الحال، هي التي ستُحدّد مدى قُدرته على الحكم، وستُحدّد أيضًا نسبة الدعم الذي سيحظى به، إن على المُستوى السياسي أو على باقي المُستويات، على إختلاف أنواعها. فالخط البياني التراجعي واضح لمدى إمساك "تيّار المُستقبل" بالسُلطة التنفيذيّة منذ العام 2005 حتى اليوم، بحيث أنّه بعد أن كان الطرف الآخر يتمسّك بخيط الميثاقيّة للحفاظ على وُجوده، ثم يُطالب بالثلث المُعطّل تحت تسمية "الثلث الضامن" لرفع حصّته الوزاريّة، تراجعت حصص "المُستقبل" والقوى الحليفة له إلى 13 وزيرًا في الحكومة التي تحوّلت أخيرًا إلى حُكومة تصريف أعمال. وأي خطوة ناقصة من جانب الحريري في توزيع الحصص، في ظلّ المُطالبة بتمثيل وزاري واسع من جانب قوى "8 آذار" السابقة و"التيار الوطني الحُرّ"، مُضافًا إليها حصّة رئيس الجمهوريّة الوزارية، سيعني حُكمًا إمكان إفتقار "تيّار المُستقبل" للثلث القادر على تعطيل أي قرار أو تصويت لا يُؤيّده على طاولة ​مجلس الوزراء​.

وبالتالي، إنّ دور رئيس الحكومة المُكلف سيكون كبيرًا في الدفاع عن مُطالبة كل من حزبي "القوّات" بتمثيل وازن، و"الإشتراكي" بالحصّة الدرزيّة الكاملة في الحُكومة المُقبلة بدون أي إستثناء، وإلا سيجد نفسه مدعومًا من عدد قليل من الوزراء من ناحية الخيارات السياسيّة ​العريضة​. وبالتالي، إنّ عدم تمثيل الحزب "الإشتراكي" الذي حاز على سبعة نوّاب دروز من أصل ثمانية، بثلاثة وزراء، ومنح إحدى هذه الوزارات لمنافسيه، وعدم تمثيل حزب "القوّات" بحجم وزاري-كمّا ونوعًا، يناسب حجم كتلته التي تضم 15 نائبًا، سيُؤدّي إلى خلل على مُستوى التوازن السياسي الداخلي الذي كان لا يزال قائمًا بحدّه الأدنى في حكومة تصريف الأعمال الحالية. وإذا كانت علاقات "الإشتراكي" الداخليّة المُتشعّبة يُمكن أن تؤمّن له الحماية عند تشكيل الحُكومة، فإنّ عدم قيام الحريري بتوفير الحماية السياسيّة لحزب "القوات"، لمنع إستفراده وتحجيمه سياسيًا، سيُؤدّي إلى سُقوطهما معنويًا معًا في نهاية المطاف، لأنّ الحريري لا يُمكنه أن يحكم من دون حلفاء على مُستوى الخط السياسي الإستراتيجي، إلا إذا كان يرتضي تحجيم دوره السياسي والتنفيذي بشكل غير مسبوق.